في زوايا منطقة “بوش 10” المنسية، تتردد صرخات أكثر من 900 مواطن، يحملون في أيديهم وثائق رسمية يظنونها صمام أمان، فإذا بها تتحول إلى أوراق بلا وزن أمام جرافات الهدم وقرارات لا ترحم. هنا، حيث تتقاطع أحلام البسطاء مع دهاليز الإدارة، يروي المتضررون حكاية ظلم طال أمده، ومعاناة تتجدد مع كل يوم يمر دون إنصاف.
بيوت بلا جدران… وأمان مهدور
“كنا نظن أن الأرض التي بنينا عليها بيوتنا هي ملك لنا، وأن القانون سيحمي حقوقنا”، هكذا يردد أحد المتضررين بنبرة يختلط فيها الحزن باليأس. فقد وجد هؤلاء المواطنون أنفسهم فجأة أمام واقع مرير: منازلهم التي شيدوها بعرق جبينهم وادخار سنوات من التعب، تهدم أمام أعينهم، لتتحول إلى أنقاض وذكريات موجعة. لم تكن الخسائر مادية فقط، بل امتدت لتشمل جراحاً نفسية عميقة، وقلقاً وجودياً على مستقبل أسرهم وأطفالهم الذين فقدوا الإحساس بالأمان والاستقرار.
بين أروقة القضاء ودهاليز الإدارة
منذ عام 2024، والقضية معلقة أمام القضاء الموريتاني، حيث يأمل المتضررون في أن يجدوا فيه ملاذهم الأخير. لكن بطء الإجراءات وتأخر الأحكام – بسبب عريضة قدمها محامي الدولة – جعل الانتظار أكثر إيلاماً. وبينما لا تزال القضية في المداولات، تفاجأ المواطنون بتحركات وزارة العقارات وأملاك الدولة، التي شرعت – بحسبهم – في منح الأراضي لمستفيدين جدد، دون انتظار كلمة القضاء الفاصلة.
“نثق في عدالة القضاء، لكننا نخشى أن تضيع حقوقنا بين الإجراءات الطويلة وتحركات الإدارة”، يقول أحد المتضررين، مضيفاً: “كل يوم يمر يضاعف خسائرنا ويزيد من معاناتنا”.
وجهة نظر الحكومة: تعقيدات ووعود
من جانبها، تؤكد وزارة العقارات وأملاك الدولة ووزارة الإسكان أن ملف “قطاع 10” بالغ التعقيد، ويحتاج إلى دراسة دقيقة لضمان العدالة للجميع. وتنفي الوزارة بشدة وجود أي محسوبية أو تلاعب في منح الأراضي، مشددة على التزامها بالشفافية واحترام المساطر القضائية. وتعد الوزارة بأنها تدرس كل حالة على حدة وتسعى لإيجاد حلول توافقية، لكنها تحذر من اتخاذ قرارات متسرعة قد تعمق الأزمة.
المراقبون: أزمة ثقة تهدد السلم الاجتماعي
يرى مراقبون سياسيون أن استمرار هذه الأزمة دون حل عادل وسريع قد ينعكس سلباً على صورة الحكومة وثقة المواطنين في النظام، خاصة في ظل الاستحقاقات السياسية القادمة. ويشيرون إلى أن معالجة الملف بشفافية وعدالة من شأنه أن يعزز مصداقية الدولة، بينما استمرار الظلم والتوترات قد يدفع إلى مزيد من الاحتقان والاستقطاب الاجتماعي.
نداء أخير… وأمل في إنصاف قريب
تتواصل اعتصامات المتضررين، وتتجدد دعواتهم لتدخل رئاسي عاجل ينهي معاناتهم ويعيد لهم حقوقهم المسلوبة. وفي ظل الانتظار الطويل، ما زال الأمل يراودهم بأن ينصفهم القضاء، وأن تستجيب الدولة لصرخاتهم، فتعود لهم بيوتهم وأمانهم وكرامتهم.
هكذا تستمر مأساة “بوش 10″، لتبقى شاهداً على حجم الألم الذي يمكن أن يسببه تأخر العدالة، وضرورة أن يكون القانون حصناً حقيقياً للمواطنين، لا مجرد نصوص تنتظر التنفيذ.