اختتمت يوم أمس الأحد بالعاصمة التركية إسطنبول أعمال المؤتمر العلمي الأول لرابطة علماء أهل السنة المنعقد تحت عنوان: نظرات في السياسة الشرعية في ضوء المستجدات الراهنة، وقد دام المؤتمر يومين وحضره عشرات من علماء الأمة الإسلامية وممثلي العديد من روابط علماء أهل السنة ودعاتهم بالعالم الإسلامي.. وقد تطرق المؤتمر لأربعة محاور أساسية، هي (حق الأمة في تعيين الحاكم وعزله، الاحتجاجات السلمية وأحكامها في الشريعة الإسلامية،
أحكام التغلب وتطبيقاتها المعاصرة، موقف العلماء وأثرهم في مسيرة الربيع العربي)، وقد قدمت في كل محور منها ورقة مركزة ناقشها الحاضرون باستفاضة تامة في جلسات مغلقة، قبل أن يلخصوا مواقفهم من الواقع السياسي الراهن في البيان الختامي للمؤتمر.
وكانت الورقة المقدمة في المحور الرابع من إعداد الباحث الموريتاني الدكتور محمد سالم بن دودو وقد حظيت باهتمام كبير من الحاضرين، وجاءت تحت عنوان “الإسلاميون والربيع العربي العلاقة المعقدة”، عرف خلال محورها الأول بأهم أذرع العمل الإسلامي والتي ذكر من أبرزها الإخوان والسلفيين والتبليغيين والطرقيين مبرزا أوجه التكامل والتباين في منهاجهم ومدى شموليتها لميادين العمل الإسلامي الذي لخصه في سبع جبهات، هي: تصحيح العقيدة، وتزكية النفس، وممارسة الشعائر، ونشر العلم، وإعانة المحتاج، وحماية البيضة، وإقامة الخلافة.. مركزا على الجبهات الأخيرة باعتبارها المتعلقة بالسياسة الشرعية، مبينا تفاوت هذه الأذرع في الفاعلية وعدم الفاعلية فيها، وأثر ذلك على صناعة الحدث السياسي أو إعاقته.
وتعرض في المحور الثاني لماهية الربيع العربي باعتباره هبة شعوب عانت القهر والتنكيل وتفاوتت حظوظها منه بحسب طموحاتها؛ فكان أقلَّهم فيه حظا من لا يجاوز طموحه لقمة عيش تسد رمقه، ثم الذي يتوق معها إلى شيء من الكرامة والإسهام في تقرير مصيره، وكان أعظمهم حظا منه من وصل طموحُه إلى الحلم بتحقيق هويته الإسلامية. كما لخص فيه مواقف الأنظمة العربية من هذه الثورات ما بين؛ مستلهم (كما في قطر والمغرب)، ومستسلم (كما في مصر تكتيكيا، وفي تونس استراتيجيا)، ومنكِّل (في ليبيا، واليمن، وسوريا)، ومتربِّص (في السعودية والإمارات)، ومترقِّب (في الأردن والجزائر وموريتانيا والسودان وغيرها).
وكرس المحور الثالث لتشخيص العلاقة بين الإسلاميين والربيع العربي مؤكدا أن هذه الثورات هي ثورات إنسانية عامة، وليست إسلامية خاصة إذ «ليس الإسلاميون من قاموا بها بفردهم، ولم ينخرطوا فيها بمجموعهم، ولم تقصد حشودها التمكين لهم». مبرزا ذلك من خلال زاويتين تقيس أولاهما مدى “ثورية الإسلاميين” في كل ذراع من الأذرع الأربعة المذكورة، وتُجلِّي الثانية مدى “إسلامية الثوريين”، من خلال مدى تبنيهم لمطلب الهوية الإسلامية.
وقد خلص الباحث في المحور الأخير إلى التأطير لسبل إيجاد حل شرعي لأعمق الإشكالات التي أثبتها التشخيص والتحليل للواقع القائم، من خلال مقاربة تسعى إلى رسم معالم خطة توافقية تستهدف سد بعض الثغرات ورفع بعض التناقضات في خارطة العمل الإسلامي من حيث تصوراتها النظرية، وتطبيقاتها الميدانية، رافعا لذلك شعار: «رفقاءُ لا فرقاء!».
وقد أسفر المؤتمر عن تجديد هيئات الرابطة حيث انتخب لرئاستها فضيلة الدكتور/ عبد المنعم التميمي رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج، وانتخب لمنصب نائبه فضيلة الدكتور/ محمد موسى الشريف من المملكة السعودية، ولأمانتها العامة فضيلة الدكتور/ جمال عبد الستار من مصر.. فضلا عن انتخاب مجلس أمنائها والذي انتخب فيه غيابيا العلامة الشيخ محمد الحسن الددو، ضمن خمسة عشر عضوا من أبرزهم فضيلة الأستاذ الدكتور مولاي عمر بن حماد رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية، والشيخ سالم الشيخي من ليبيا، والقاضي محمد بن طايس الجميلي من قطر.. كما تم اعتماد أعضاء جدد من بينهم الدكتور/ محمد سالم بن دودو.