تقع مدينة “ولاتة” على بعد حوالي تسعين كلم إلى الشمال الشرقي من النعمة عاصمة الحوض الشرقي، عبر طريق رملي وعر.
وقد عرفت مدينة “ولاتة” قديما باسم “بيرو” وكانت خاضعة لامبراطورية غانا، ثم عرفت بعد ذلك باسم “إيوالاتن” أو”ولاتن” ثم الاسم الحالي: “ولاتة”.
نزل بها “السرغلات” عند ما تفرقوا من غانا (سنة: 611هـ=1214م).
أما أول من سكنها من أهلها اليوم: فقبيلة “لمحاجيب” وكانت لهم الرئاسة فيها حتى دخول الاستعمار الفرنسي لها سنة 1912م.
لقد زار الرحالة ابن بطوطة مدينة “ولاتة” سنة 753هـ=1352م ، والتقى بقاضيها العلامة: محمد بن عبد الله بن ينومر الملقب “المحجوب”، ووصف أهلها بأنهم محافظون على الصلوات وعلم الفقه وحفظ القرآن، ونوه بدورها الثقافي والتجاري وكرم أهلها.
وتحدث في رحلته عن الازدهار الشديد الذي تعرفه هذه المدينة بحكم موقعها بين الاقاليم السودانية (مالي) وبين سجلماسة والواحات المغربية، ووصف رخاء معيشة اهلها بقوله (ويجلب اليهم تمر درعة، وسجلماسة، وتأتيهم القوافل من بلاد السودان فيحملون الملح ويباع الحمل منه بولاتن بثمانية مثاقيل الى عشرة ويباع في مدينة مالي بعشرين مثقالا وربما يصل الى اربعين مثقالا وبالملح يتصارفون كما يتصارف بالذهب والفضة يقطعونه قطعا ويتبايعون به). (الرحلة ص 658).
كما ذكرها كذلك المقري ضمن كلام ملخص في الجغرافيا.
وذكرها كذلك المؤرخ “ابن خلدون” ووصف دورها التجاري في امبراطورية “مالي”، وقال: “إنها على التخوم الشمالية لمالي في حدوده مع المغرب الأقصى”.
ومنذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي عرفت مدينة “ولاتة” بداية نهضة فكرية كبيرة، وأصبحت أحد أهم مراكز الإشعاع الثقافي العربي الإسلامي، وهاجر إليها عدد كبير من علماء تيمبوكتو وفاس وتلمسان ومراكش، كما استقر بها بعض أهالي توات بجنوب الجزائر، وبعض العائدين من الأندلس.
شكلت تلك الهجرة إلى مدينة “ولاتة” أهم روافد المدينة الثقافية التي بقيت حتى الآن، وسمح لها في نفس الوقت بأن تتحول خلال القرون الخمسة الماضية إلى منارة ثقافية، وعلمية وعاصمة من عواصم الفقه المالكي، والتصوف الإسلامي.
كما نجد هذه الروافد المختلفة ماثلة في العمارة الولاتية البديعة، وفي عادات سكان المدينة شديدة التحضر وسط عالم صحراوي بدوي، غير مناسب تماما لهذه العادات الحضرية..
يقال إن “بيرو” (ولاتة) تأسست قبل البعثة، وانها كانت مدينة وثنية، وان الإسلام دخلها سنة 43 هـ علي يد سرايا عقبة بن نافع الفهري، الذي يوجد ضريح ابنه “العاقب” في صحن مسجدها.
لقد عرف عن أهل “ولاته” شغفهم الشديد بالعلم والتعلم، وكانت نتيجة ذلك أنه لا يوجد حي من أحيائها إلا وفيه محظرة لها طلابها وروادها.
نالت مدينة ولاتة –كسائر المدن التاريخية- حظها من الإهمال والنسيان، فلم تشفع لها مكانتها التاريخية، ولا تراثها الإنساني لدى الرؤساء المتعاقبين على سدة الحكم، فما تزال تعاني من إقصاء وإهمال ونسيان وعزلة تامة.
عن موقع التيسير الثقافي
.