أزمة المهاجرين في موريتانيا تُثير جدلًا واسعًا حول المسؤوليات والتعامل الرسمي

أزمة المهاجرين في موريتانيا تُثير جدلًا واسعًا حول المسؤوليات والتعامل الرسمي

تشهد الساحة الموريتانية في الآونة الأخيرة حالة من الجدل والانقسام في الرأي العام بشأن أزمة تدفق المهاجرين غير النظاميين، خاصة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. هذا الجدل تفاقم بعد تداول تسجيلات صوتية عبر موقع “فيسبوك”، وثّقها مواطنون من داخل أماكن تجمّع للعمال الأجانب، حيث تم توجيه أسئلة لهم حول جنسياتهم.

وأثارت هذه المقاطع موجة تفاعل كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع الجهات الرسمية إلى اتخاذ إجراءات وُصفت بغير الدبلوماسية، حيث قامت باعتقال بعض المهاجرين وتصويرهم، ثم نشر صورهم في وسائل الإعلام. في المقابل، لم تُتخذ إجراءات بحق من قاموا بتصوير الأجانب بطريقة غير قانونية ودون ترخيص، رغم أن القانون يجرّم التصوير غير المرخص خصوصًا في القضايا ذات البعد الحساس والمتعلق بعلاقات موريتانيا مع دول أجنبية.

ويرى مراقبون أن هذا التعاطي الرسمي جاء استجابة لضغط الذباب الإلكتروني الذي حرّك الرأي العام، بدل أن يكون هناك تحقيق شفاف ومهني يبدأ بمساءلة من انتهك الخصوصية ونشر هذه التسجيلات، مما أسهم في تأجيج الموقف وإحداث حالة من التشويش الإعلامي والسياسي.

ورغم أن الهجرة غير النظامية ليست ظاهرة جديدة في موريتانيا، إلا أن الجدل هذه المرة ارتبط بما أثير حول اتفاقيات موريتانيا مع الشركاء الأوروبيين. فقد وقّعت نواكشوط مؤخرًا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تركز على دعم جهود الدولة في ضبط الحدود ومكافحة الهجرة السرية، انطلاقًا من أن موريتانيا لا يمكنها بمفردها تأمين حدودها الشاسعة، وهي اتفاقية نُظر إليها على أنها في مصلحة الدولة أولًا.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، شدد وزير الداخلية الموريتاني على أن الاتفاقية لا تتضمن بأي حال من الأحوال توطين المهاجرين في البلاد، وإنما تهدف إلى تمكين موريتانيا من إدارة التحديات الأمنية والإنسانية للهجرة بشكل أفضل، بمساعدة أوروبية فنية ومادية.

لكن بعض الأطراف استغلت هذه النقطة لإثارة البلبلة، واتهام النظام الحاكم بالسعي لتوطين المهاجرين، وهو ما وصفه متابعون بأنه محاولة لتشويه صورة الحكومة، وتشكيك في سيادتها وقراراتها.

الرفض الشعبي لتحميل موريتانيا مسؤولية المهاجرين على نفقتها دون دعم دولي يُعد موقفًا مفهومًا، لكن تحويل هذا الرفض إلى حملة اتهامات عشوائية ضد الدولة هو أمر غير منصف، ويكشف عن ضعف في أداء الإعلام الرسمي في التصدي لمثل هذه الحملات.

ويُطالب العديد من المهتمين بالشأن العام بضرورة مراجعة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لسياسة تعامله مع الإعلام، وفتح المجال أمام الإعلام المستقل ليكون مصدرًا موثوقًا في تقديم المعلومات للرأي العام، خاصة في القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، بدل ترك الساحة للذباب الإلكتروني والمعلومات المضللة.

فجميع دول العالم تواجه تحديات الهجرة، ولكن طريقة التعاطي معها إعلاميًا ومؤسساتيًا هي ما يصنع الفارق، ويحدد مدى قدرة الدولة على إدارة الأزمات بما يخدم مصالحها ويحفظ كرامة الإنسان على أرضها

تحرير
المدير الناشر
لموقع أخبار الوطن
آبيه محمد لفضل

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: