جدل دستوري في موريتانيا حول المادة 93 من الدستور ومحكمة العشرية
تشهد موريتانيا جدلاً قانونياً ودستورياً واسعاً بين الفرق القانونية المدافعة في قضية ما يعرف بـ”محكمة العشرية”، وهي المحاكمة التي تشمل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وعدداً من معاونيه بتهم فساد خلال فترة حكمه (2009-2019). ويتمحور هذا الجدل بشكل خاص حول تفسير المادة 93 من الدستور الموريتاني، التي تنظم حصانة رئيس الجمهورية أثناء وبعد فترة ولايته.
*المادة 93 من الدستور**
تنص المادة 93 من الدستور الموريتاني على أن رئيس الجمهورية لا يمكن مساءلته أو محاكمته إلا في حالة الخيانة العظمى، وأن ذلك يتطلب إجراءات خاصة تشمل تصويت البرلمان وقراراً من المحكمة العليا.
**رؤية الفرق القانونية**
1. **دفوع الدفاع**:
فريق الدفاع عن الرئيس السابق ولد عبد العزيز يستند إلى أن المادة 93 تمنحه حصانة مطلقة من أي مساءلة عن الأفعال التي قام بها أثناء ممارسته لمهامه الرئاسية، باستثناء تهمة “الخيانة العظمى”. ويرى الفريق أن جميع التهم الأخرى، بما في ذلك الفساد المالي والإداري، لا يمكن النظر فيها قانونياً إلا بعد تعديل الدستور أو اتباع إجراءات خاصة لملاحقة رئيس سابق.
2. **رؤية النيابة العامة والادعاء**:
في المقابل، ترى النيابة العامة أن المادة 93 لا تمنح حصانة مطلقة، بل تنظم فقط الإطار القانوني لملاحقة رئيس الجمهورية. وتؤكد أن الجرائم المالية والإدارية ليست جزءاً من مفهوم “الخيانة العظمى”، وبالتالي يمكن محاسبة الرئيس السابق عليها بصفته مواطناً عادياً بعد انتهاء ولايته.
**دور المجلس الدستوري**
في هذا السياق، تدخل المجلس الدستوري لإصدار تفسير يتعلق بمدى تطبيق المادة 93 في القضية الحالية. لكن تفسيره جاء مفتوحاً للتأويلات، حيث أكد أن الحصانة الرئاسية تشمل الأفعال المتعلقة بممارسة المهام السيادية فقط، بينما الأفعال الأخرى يمكن أن تكون خاضعة للمساءلة الجنائية. **ردود الفعل الشعبية والسياسية**
أثار هذا الجدل انقساماً حاداً في الساحة السياسية:
– **المعارضة**: ترى أن محاكمة الرئيس السابق خطوة إيجابية نحو مكافحة الفساد وتأكيد مبدأ المساواة أمام القانون.
– **المؤيدون لولد عبد العزيز**: يعتبرون القضية مسيسة وتستهدف تشويه سمعة الرئيس السابق وإضعاف خصوم النظام الحالي. **تداعيات القضية**
تُعد هذه المحاكمة اختباراً حقيقياً لمدى استقلالية القضاء في موريتانيا وقدرته على الفصل بين السلطات، في ظل ضغوط سياسية داخلية وخارجية. كما أن مخرجات هذا الجدل قد تسهم في إعادة صياغة العلاقة بين القضاء والدستور، وتؤثر على مستقبل الرؤساء السابقين في البلاد.
القضية ما تزال في أوجها، والتطورات القادمة ستحدد مسارها وتداعياتها على المشهد السياسي والقانوني الموريتاني.
بقلم الصحفي
آبيه محمد لفضل