عزيز:أعود إليكم الآن وأخاطبكم، لأن الأمر بات خطيرا . ليس حبا في السلطة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين رسالة مفتوحة مواطني الأعزاء،*

إن خطابي لكم اليوم من مكان احتجازي التعسفي، ليس لطلب شفقتكم إزاء مصيري؛ فلطالما اعتدت معايشة ابتلاءاتي ومحني بتقبل وحكمة، كما تذوقت نجاحاتي بتر ٍو واعتدا ْل؛ مؤم ٌن بأن الحياة مليئة بتسلس ٍل غي ِر منتظ ٍم من العسر واليسر، ربما هو ما يدفع الإنسان للجد والاجتهاد.
بل إنني أعود إليكم الآن وأخاطبكم، لأن الأمر بات خطيرا . ليس حبا في السلطة؛ فمعظمكم يعرف علاقتي بها.

في عام 2003 كانت السلطة متاحة، وفي عام 2005 تصرفت لإنهاء المعاناة التي كان يعيشها الشعب بأسره في الوقت الذي كان فيه أبطالُنا في “المعارضة” يجتمعون َفي “ا ْل َم ْج َم ِع” بفندق الأحمدي لينحنوا أمام الطغيان والاستعباد والفساد، رافعين راية الاستسلام إلى أقصى درجة.
وفي يوم من أيام عام 2005، امتنع ُت عن التقدم لأدفع نحو تأصيل وترسيخ الديمقراطية في البلاد وفي العقول.
لم أكن لأتقدم حتى أغسطس 2008 عندما أُجبرت على التدخل والأخذ بزمام الأمور بعد رؤيتي لتحول البلاد وانزلاقها نحو عدم الاستقرار بشكل لا مفر منه.

كانت أولويتي آنذاك هي إعادة البلاد إلى المسار الصحيح، وتأسيس الديمقراطية، وتعزيز سيادة القانون ومؤسساته، ومكافحة الفساد والتفاوت الاجتماعي، وتأمين البلاد بشكل ُمثبت ومعترف به من الجميع.
بعد فترتين من السلام والإنجازات العظيمة، غادرت السلطة، وفقًا لما ينص عليه الدستور، على الرغم من المطالبات من الداخل والخارج للبقاء فيها، غادرت بدون ندم أو مرارة، سعيدًا باستعادة حقوقي وحرياتي كمواطن عادي. ولكن منذ ذلك الحين، توالت علي الاتصالات ولم تتوقف من بعض المواطنين القلقين من مجريات الأحداث والمخذولين من المنعطف الذي آل إليه تسيير وتدبير شؤون البلاد، منهم من يتهمني بحق بأنني كنت الراعي لهذه السلطة التي يصفونها بالإفتراضية.

اليوم، البلد يعاني، بلدنا في وضع يستدعي ويستوجب تدخلنا جمي ًعا أينما كنا.حيث تتعرض مبادئ الديمقراطية وأسسها للاستهتار من قبل فريق في السلطة متحد فقط من اجل مصالحه الشخصية، والذي يمارس الاستبداد والإقطاعية والجهوية كنظام للسلطة.
كل هذه الآفات مجتمعة تلقي بظلالها السوداء وتأثيراتها السلبية على كافة قطاعات الحياة في البلاد. الأمن يزداد تدهو ًرا داخل البلاد، حيث يتم قتل مواطنينا المسالمين الساعين لتحصيل لقمة عيش كريمة للبقاء على قيد الحياة، بدم بارد على حدودنا الشمالية والجنوبية الشرقية وبالعشرات دون حزن أو أسى ممن يتولون اليوم السلطة. المدن الكبرى في البلاد تسقط الواحدة تلو الأخرى في الظلام الدامس، في حين كان البلد، قبل عشر سنوات، يصدر فائضا من الطاقة إلى بلدين مجاورين. مثل ذلك كمثل انتشار العطش وتوسعه رغم الجهود المبذولة في الماضي والنتائج الإيجابية التي تم تحقيقها والحصول عليها. توقفت أو أهملت المشاريع الكبرى في مجال المياه.

في مجال الصحة وعلى الرغم من التقدم المذهل الذي حدث في العقد الماضي و بالرغم من أهمية هذا القطاع الذي يعتبر قاطرة لتطور البلد، يموت هذا القطاع ببطء ضحية للفساد ولإهمال السلطة الغائبة له وعدم مبالاتها به. مؤسسة طب الأمراض الكبدية والفيروسات، حيث كان من المقرر إجراء أولى عمليات الزرع، دخلت في حالة من الركود أخرت وحالت دون تحقيق كل طموحات البلاد وآمال المرضى. طب الانكولوجيا الذي تم إنشاؤه خلال العشرية الماضية بعد طول انتظار، وفي وقت قياسي، لم يشهد تطوراً يذكر بل ويفتقر أحياناً إلى وسائل الصيانة لتجهيزاته.

أما التعليم الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة أن يستعيد طريق التحسن من خلال تشييد بنية تحتية حديثة ومراجعة البرامج التعليمية وملاءمتها مع احتياجات سوق العمل، فقد دخل هو الآخر في حالة من الخمول الناتجة عن التخبط والفساد وسوء التدبير.

المؤسسات العامة والشركات الكبيرة التي تمت إعادة هيكلتها وتنقيتها والتي كانت تحقق أربا ًحا، توجد اليوم كلها، وبعد مرور خمس سنوات، في حالة من شبه الإفلاس التام ومطالبة بالديون الضخمة من طرف البنوك المحلية. وهذا هو الحال بالنسبة لشركة الكهرباء الموريتانية SOMELEC، وشركة الماء SNDE،
وشركة توزيع الغاز Somagaz، وشركة الخطوط الجوية MAI، وأُخريات كثر…

ارتفاعأسعارالموادوالسلعالغذائية،بفعلزيادةالضرائبوالرسوملنفخميزانيةموجهةأسا ًسانحوالتسيير والإنفاق على البذخ؛ سيارات فاخرة، طائرة رئاسية… هذا النمط الغير منطقي من الحياة الفاخرة الذي لا يمكن لدول أغنى منا ممارسته يتحمله المواطن الفقير ويدفعه من دمه وعرق جبينه، المواطن الذي لا يجد وظيفة بسبب ارتفاع البطالة، والذي لا يستطيع علاج نفسه وهو مريض، والذي يعيش محاص ًرا يرهقه الشعور بعدم الأمن والأمان والعطش والظلام. إذا حاول التخلص من توتره بالتعبير لفظيا أو كتابيا لوضع حد لمعاناته، يتم تحديد هويته والتعرف عليه سري ًعا ويتم سحبه أمام العدالة القبلية للدولة ليتم إطلاق سراحه بعد تخويفه وترهيبه.

لا أحد يتحدث عن الصحافة الحرة، السلطة الرابعة في بعض الدول، هذه التسمية لم تعد موجودة عندنا، حيث اصبحت القنوات الخاصة تحت سيطرة الإذاعة الوطنية لتكون لها منصة توزع أصداءها و ترتل أنغامها، ما أفقدها روحها تحت ضغوط القيود أو بمفعول الدراهم.
لقد شهدت ميزانية الضغط على وسائل الإعلام والمدونين زيادة بنسبة 300٪ خلال 4 سنوات في الوقت الذي لم تشهد فيه ميزانية الصحة سوى زيادة ضئيلة بنسبة 38٪ على مدى 4 سنوات، لاتتناسب مع زيادة ميزانية الدولة التي بلغت في مجملها أكثر من 100٪ خلال هذه الفترة مقارنة بعام 2019. في قمعها للشعوب، جرت العادة أن تمارس الديكتاتوريات سياسات العصا والجزرة، لكن النظام الخاص بنا يتميز بممارسة الترهيب والتجويع.

على الصعيد العسكري، كان البلد في وضع مريح مقارنة بمحيطه، فقد تمت إعادة هيكلة وتكييف القوات المسلحة وقوات الأمن للتصدي لتحديات الساعة ولمواكبة تطور التهديدات. تم إنشاء مدارس تدريب للقوات البحرية والجوية، وتم تحديث قوات البحرية والجوية لمواكبة القوات الأخرى. ولكن تم تدمير كل هذه الجهود بسبب عجز السلطة الحالية وخمولها وحيوية ونشاط جيراننا في السنوات الأخيرة.

وبإلقاء نظرة سريعة على القطاعات الحيوية الأخرى في البلاد، فإن وضعها ليس أفضل بكثير. فقطاع الصيد الذي كان سابقًا صمام أمان للأمن الغذائي والمالي تمت إدارته بالزبونية والمحسبوبية، مما أدى إلى منح امتيازات مبالغ فيها لسفن الصيد الأجنبية، بما في ذلك تضييق شباك الصيد وما سبب من أضرار، والسماح بالصيد في مناطق التكاثر الممنوعة.

وبالنسبة لقطاع المناجم، الذي تمت مراجعة معظم النصوص الخاصة به خلال العقد الماضي لجعلها أكثر مردودية و فائدة للبلد وفي نفس الوقت جاذبة للمستثمرين، يتم اليوم تنظيمه بتساهل يتحدى كل الضمائر. هناك تدخلات عديدة تعيق هذا القطاع وتجعل الدولة تخسر مصالحها لصالح الشركات متعددة الجنسيات.

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: