الوزير الأول يحي ولد حدمين والإرث المــر …

رغم إعترافه أمام المهنئين له بمنزله 2014 أن تعيينه ” ألا الحظ” ، لم يدرك كثيرون أن الوزير الأول يحي ولد حدمين كان يقول الحقيقة ، فلقد كان أول المستغربين لتكليفه بتشكيل الحكومة ، فهو وحده من يعرف حقيقة نفسه ..فلا ثقل وزنه السياسي كان وراء ذالك ، ولا حسن أداءه وتسييره لخمسة وثلاثين سنة خلت من عمله في الدولة قبل تعيينه وزيرا أول يمكنها أيضا أن تكون سبب ذاك التشريف ..

الشروق في تحقيق استقصائي تكشف حقيقة الوزير الأول يحي ولد حدمين ..

وتبدأ أولى حلقاتها بالوزن السياسي لولد حدمين ..

يحي ولد حدمين والإرث المـــر ..

كانت حادثة تمبدغة سنة 1969 بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير و التي بسببها سافر أبوه ولد حدمين الأخ الأكبر لبطلنا الى السعودية ، فقد كانت حادثة وأدت أي وزن سياسي يمكن بناءه للأسرة مستقبلا في محيطها الإجتماعي .. وبسبب ذالك بدأ يحي ولد حدمين يحاول شق طريقه ففي فترة الثانوية ارتبط بالتيار الناصري قبل أن يرفع مساره الإيديولوجي لاحقا إلى اليسار ، حيث يقول مقربون منه إنه يساري متصوف ، وإلى جانب تلك القيم اليسارية العتيقة،حاول ولد حدمين أن يكون رجل قبيلة وهو ما فشل فيه أكثر من مرة ، فمرة تتسع أحلامه كثيرا لتشمل كل البعد الإجتماعي له في موريتانيا ثم تتحطم تلك الأحلام على صخور الواقع المر وتنتهي عند حدود جكني، قبل أن تتقلص بفعل تاريخ لايرحم فتتوقف أيضا عند العشيرة القريبة منه.. بدأ ولد حدمين مشواره السياسي بخلق الأزمات الجهوية في اسنيم بين عمال الولايات الشرقية والجنوبية والشمالية، إضافة إلى أزمات أخرى ذات بعد قبلي.. سلاحه في ذالك ” الوشاية ” والطعن من الخلف .. بل وإشهار مسدسه أحيانا متبجحا إن إقتضى الأمر كما حدث في كيفة .. بدأ ولد حدمين الظهور السياسي بشكل مباشر سنة 2006 عندما دعم المرشح الرئاسي أحمد ولد داداه بعد سحب ولد هيين لترشحة ، وهو دعم جلب لولداداه الضرر أكثر من النفع في حادثة تعرفها ساكنة جكني … فأينما حل ولد حدمين حلت الخلافات وتصفية الحسابات ..والشواهد على ذالك كثيرة جدا..

بعد تنصيب سيدي ولد الشيخ عبد الله رئيسا للبلادفي 2007 فشل ولد حدمين في كل محاولاته لحجز مكان بين أطر جكني المؤيدين للرجل بسبب دعم أسرة أهل خطري لولد الشيخ عبد الله ووزنها السياسي الكبير في المنطقة ، وهو باب لا يريد ولد حدمين الدخول منه، فحادثة تمبدغة مازالت ندية .. و رغم صداقة ولد حدمين مع المرحوم أحمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد أمصبوع لم يستطع تحقيق أكثر من بقائه مديرا لشركة (ATTM) يراوح مكانه ختى 2010 …

سنة 2010 تبسم (الحظ) أول مرة لوزيرنا الأول وماهو تم بموجبه تعيينه وزيرا للتجهيز والنقل .. ليبدأ فصلا جديدا من فصول محاولات تحقيق الذات وكسب رهان صراع قديم في المنطقة .. وتحقيق أحلام الطفولة .. فوضع اللبنة الأولى لحلف سياسي في جكني قناعة مؤيديه ببقائهم فيه مشروطة بما يحصلون عليه من إعانات منه وتوظيف لهم .. فكان المنسحبون من حلفه أكثر من منتسبيه … وفي سبيل ذالك صارع وزيرنا الأول للبقاء مانحا مرة (سيارات ، أموال ، تعيينات ) ، ومانعا منتقما مرات أخرى .. ففصل العمال (سيدي ولد إطول عمر ) وتحويل أستاذ شاب من معارضيه من جكني دون أن يمر القرار بأي جهة إدارية ومثله كثيرون وكثيرون .. يحمل ولد حدمين عداوات كثيرة تجاه القوى السياسية المعارضة للنظام، وبشكل خاص النواب البرلمانيين الذين طالما تحدثوا عن صفقات فساد في قطاع النقل، ويحمل عداوة خاصة للإسلاميين الذين يعتبرهم خصومه المحليين في مقاطعة جكني إضافة إلى الخصومة الفكرية العميقة.. كمايتخندق ولد حدمين أيضا في لوبيات كثيرة مع النظام .. فيعامل أعداءه من أولائك وهؤلاء بما تمليه مصالحه ومجموعته الضيقة .. ففي 2015 حاول ولد حدمين النيل من السفير الموريتاني محمد محمود ولد محمد الأمين بسبب إبرامه لأتفاق مع سعودي يملك بناية القنصلية الموريتانية وكان بصدد ارسال بعثة تفتيش له ، كما أوعز لوزير الخارجية بمراجعة الإتفاق الذي أبرمه السفير ، منحازا بهذا التصرف لجناح سيدي محمد ولد محم ، لكن تدخل الجنرال ولد الغزواني أوقف ذاك الحراك … ورغم انحيازه هذا لولد محم.. إلا أنه و تطبيقا لسياسة ” فرق تسد” ومع حلف آخر من الأغلبية ضد رئيس الحزب وشى للرئيس في أكثر من مرة أن حزب الإتحاد من أجل الجمهورية تخلى منذ عدة أشهر عن دوره في الدفاع عن برنامج الحكومة، وأدائها الميداني، معتبرا أن هذا التقاعس شوش كثيرا على إنجازات الحكومة، ومنح المعارضة في مختلف تشكيلاتها، وخصوصا المنتدى والتكتل فرصا لم يكن يحلم بها…

ومن فقه الصراع عند ولد حدمين الأخذ بكافة الأسباب وتطويع القانون لذالك ..فلم يكن إغلاق المحاظر سوى واجهة لصراع خفي بين الوزير ومنافسيه في مقاطعته “جكني ” بعد أن انتزعوا منه بلديتها المركزية رغم أخذه عطلة معوضة طيلة الحملة الانتخابية الماضية وبذله المال وإعطاءه السيارات ..

في 2015 سعى ولد حدمين بكل ما أوتي من قوة إلى سحب البساط من تحت مولاي ولد محمد الأغظف في ملف الحوار، فأقنع الرئيس بأنه قادر على تسوية الأزمة مع المعارضة بطريقته الخاصة، متعهداً بأنه سيجبر بعض الشخصيات الوازنة في حزب التكتل واتحاد قوى التقدم وأكثر من خمسة آلاف شخصية على المشاركة في اللقاء التشاوري الموسع التمهيدي للحوار الوطني الشامل الذي انعقد في سبتمبر.. ومع ذالك لم يتمكن من الوفاء بتعهداته وتحول اللقاء التشاوري إلى مسرحية كبيرة برعاية مباشرة من الحكومة، فيما كان المشهد الأخير منها أكثر مأساوية حين وقف الوزير الأول بكامل هيبته وسلطانه ليعلن أنه يتعهد بتنفيذ جميع بنود وتوصيات اللقاء التشاوري وأن الحوار سينطلق في النصف الأول من أكتوبر الماضي..

ولكن بدا واضحاً أن من لم يفي بتعهداته للرئيس لن يفي بها للآخرين.. فبقيت تلك التعهدات حبراً على ورق..
الشروق

أترك تعليق

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: