في مشهد سياسي ظل يطبعه الركود لسنوات؛ وفي سنة تحضيرية لانتخابات نيابية ورئاسية في العامين التاليين، تعود إلى الساحة السياسية هذه الأيام حملة تصعيدية مفاجئة من مختلف الأطراف السياسية، وخاصة تلك التي عرفت بالمعارضة الراديكالية وكانت في استراحة محارب دامت ما يقارب ثلاث سنوات بعد فرز نتائج الرئاسيات من العام 2019.
استراحة المحاربين ربما كانت الأطول في تاريخ الدولة الموريتانية فلم نسمع عن ثلاث سنوات من المغازلة المتبادلة بين النظام والمعارضة، كما لم تشهد الدولة عبر أنظمتها لقاءات مارتونية بين زعماء الأحزاب السياسية المعارضين وبين رئيس الجمهورية قبل هذا النظام. مشهد طبعته الرتابة وجعل معظم المتحمسين السياسيين يصاب بالإحباط السياسي إلى حدّ اتهام قادة الأحزاب بدخول صفقات مشبوهة مع النظام.
بيرام والرك.. عنوان المعركة الأولى
المارد الأسود كما سماه محمد فال ولد سيدي ميله، بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، السياسي العصامي القادم من أعماق آدوابه والحامل مظلمة العبيد والعبيد السابقين سنين عشراً مرت، و الرجل الذي سجن مرات في نواكشوط وروصو وألاك في فترة عشرية ولد عبد العزيز بسبب مواقفه السياسية، هذا المارد المتمرد حل في المرتبة الثانية في استحقاقين رئاسيين وبينهما استطاع إقناع جماهيره بالتصويت له برلمانيا وهو المغيب عنهم في السجن المدني.
يعود ولد اعبيد من جديد عنوان معركة جديدة بدأت من مدينة أطار بينما كان في مؤتمر صحفي لأنصار حزب الرك عندما أقدمت الشرطة على تمزيق لافتة للحزب غير المرخص.
خطوة بدأت فيها لغة زعيم حركة إيرا ورئيس حزب الرك عمر ولد يالي تتغير وأعلنا عن مقاطعة الحوار المرتقب حتى يتم توضيح أحداث أطار، وهو ما لم يتم وربما لن يتم توضيحه، وتتوالى الأحداث ليخرج الكتاب سيوفهم من أغمادها وتبدأ مهاجمة بيرام وأنصاره على كافة الأصعدة في مواقع التواصل وكبريات الصحف.
العنوان الأبرز لتصعيد النظام هذه المرة هو بيرام ولد الداه ولد اعبيدي وحزب الرك “غير المرخص” وتقول المعلومات إن القطيعة بدأت تدريجيا بين بيرام وبين غزواني خاصة أن الأول لا يرى أن بشائر ترخيص حزب “الرك” في الأفق، كما أن معاملته الأخيرة في أطار طبعتْ بقدر من الرسائل المشفرة فلم يتم إشعاره مسبقا بمنع هذا النشاط في إهانة للحزب وأنصاره.
معركة جديدة بين أهم متنافسين في الساحة بدأت تتصاعد شيئا فشيئا قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية يتوقع أن تصل ذروتها قبل الاستحقاقات القادمة، فهل تعتبر هذه المعركة انطلاقة شرارة الصراع السياسي المتوقعة منذ فترة؟ وهل النظام هو من أطلق الرصاصة الأولى لشرارة هذه الحرب في أحداث أطار ؟ ومن المستفيد من هذه الحرب التي بدأت تستعر بين أهم قطبين من أقطاب المشهد السياسي؟
جميع الفرقاء ينتظر كل يوم مؤتمرا صحفيا لبيرام ولد اعبيدي أو خرجة إعلامية رسمية تقطع الشك باليقين، ويتهرب الناطق باسم الحكومة حتى الآن من الأسئلة المتعلقة بحزب الرك وأنصار ولد اعبيد
سعداني وتواصل
معركة أخرى داخل جبهة من جبهات المعارضة الراكدة ويتعلق الأمر بحزب “تواصل” ومعركته مع النائبة البرلمانية سعداني بنت خيطور وهي معركة حاول الحزب احتواءها لفترة طويلة، لكن النائبة استطاعت وفي “نزلة سياسية” نوعية أن تخرج المعركة للعلن وتصعد من لهجتها ضد الحزب وقياداته وهو ما جعل الحروب الكلامية بين القيادات “الإسلامية” تتصاعد في الأيام الأخيرة حتى تصل إلى طردها من الحزب نهائيا.
ما يهم في معركة تواصل الداخلية أن النائبة البرلمانية المطرودة من الحزب ولفترة طويلة تغازل النظام وتشيد بخطاب الرئيس “التاريخي” بوادان كما تسميه، فهل كلفت النائبة الصاعدة نحو المشهد السياسي بإطلاق حرب بالوكالة من ساحة “تواصل”؟
لا يبدو أن حزب “تواصل” المغاضب من تصرفات بنت خيطور في عجلة من أمره فهو يتعامل مع الأمر على أنه حالة فردية أو هكذا يعلن للرأي العام، لكن الحزب المعروف براديكاليته يتوقع أن يعلن التصعيد السياسي من نافذة أخرى غير نافذة بنت خيطور حتى يقطع أمامها الطريق لفرصة التقرب من النظام في هذه الفترة، ولا يتوقع أن تدوم استراحته السياسية لفترة طويلة فإذا تجاوز أزمة ينت خيطور يمكنه أن يبحث عن عنوان آخر مثل الواقع المعاش والتضيق على الحريات ومنع تراخيص الأحزاب.
ومهما يكن فإن بنت خيطور ذات الخطاب الراديكالي المتمرد على الواقع الاجتماعي نجحت في جلب جماهير عريضة لخطابها خاصة أنها تحمل مظلمة يتفق كل الحقوقيين والتقدميين على عدالتها وهي مظلمة “لمعلمين” تلك الشريحة المهمشة منذ عقود.
العاصفة القادمة
نحن إذن نستعد لانطلاق عواصف سياسية عاتية، تتبعها تشكيلات مختلفة وتحالفات هنا وهناك يحرص فيها النظام على حصد أغلبية مريحة كما ستحاول المعارضة المشتتة لسنوات حصد نسبة لا تقل عن حصصها السابقة، ويتفق الجميع على أن موسم الهدنة السياسية قد انتهى وأنه قد حانت المرحلة القادمة من التصعيد.
المختار بابتاح