وكانت الكنيسة المشيدة على ارتفاع 30 مترا عن مياه نهر دجلة، مركزا مهما للسكان المعتنقين للمسيحية، عندما اشتهرت تكريت بكرسي مفرانية المشرق في عهد ماروثه التكريتي، الذي أصبح مطران الكنيسة الشرقية العام ولقب بالمفريان.

وبحسب موقع ديوان الأوقاف المسيحية، فإن ماروثا بن حبيب التكريتي، الذي اشتهر بعلمه ومؤلفاته واهتمامه بإقامه الكنائس في الجزيرة الفراتية وبلاد الشرق هو من بنى الكنيسة، وفق التصميم الحالي، إذ يحوي الطابق الأعلى من الكنيسة، على صالة كبيرة، وغرف لسكن الكهنة والعاملين في الكنيسة، وقد بينت الحفريات وجود شبكة مياه قرب الكنيسة وقاعة كبيرة في أعلاها.

عاصمة المسيحية

لكن مؤرخين آخرين يرجعون بناءها إلى القرن الثاني الميلادي، وهذا الاختلاف لا يغيّر حقيقة كونها من أقدم الكنائس في العالم.

وخلال العقود الماضية، لم تحظ الكنيسة باهتمام يوازي أهميتها التاريخية، وقيمتها الحضارية، عدا عن وجود محاولات خجولة عام 1994، حيث قامت مديرية الآثار في المدينة، بترميمها وإعادة بنائها من جديد، وفتحها أمام الزوار.

ويقول مؤرخون، إن مدينة تكريت كانت تمثل مركزا مهما للسكان المعتنقين المسيحية، واختلفت الروايات عن تلك الحقبة؛ إلا أن ما ثبت منها هو أن تكريت كانت العاصمة المسيحية ذات الأهمية بحيث دارت حولها نزاعات للسيطرة عليها.

الباحث في الشأن الآثاري، رياض جابر، أكد أن “الكنيسة الخضراء تعرضت على مدار العقود الماضية، إلى السيول والأمطار، التي ألحقت ضرراً بالغاً بواجهتها المعمارية، وبنائها التاريخي، وهو ما يحتم على السلطات المعنية، فتح ملفها وإعادة ترميمها، وفسح المجال أمام الحركة السياحية لزيارة هذا المعلم البارز”.

ويضيف جابر في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن “الكنيسة مشيدة على ارتفاع 30 مترا من مستوى نهر دجلة، وهي كانت مركزا مهما للسكان المعتنقين للمسيحية، لكنها تعاني الإهمال والدمار وغياب برامج الإعمار”.

ويشير موقع ديوان الأوقاف المسيحية، إلى أن ألآثاري إبراهيم الناصري أكد وجود كنائس أخرى. الأولى تجاور قلعة تكريت، والثانية بنيت على أنقاضها، والثالثة تسمى كنيسة الشهيدين (سرجيوس وباخوس) اللذين أعدمهما الرومان عام 307 في مدينة سرجيوليوس بسوريا.

حقبة داعش والحشد الشعبي

وخلال سيطرة تنظيم داعش على مدينة تكريت عام 2014، عمد إلى زرع الكنيسة التاريخية، وتفجيرها، مما أدى تهدم أغلب أجزائها، ضمن حملة أطلقها لاستهداف المواقع الأثرية والنصب والكنائس في المدن التي سيطر عليها.

وأثارت الحادثة حينها غضبا شعبيا واسعا، خاصة من قبل أبناء الديانة المسيحية، الذين طالبوا الحكومة العراقية حينها بالتدخل العاجل، لإنقاذ ما تبقى من الآثار في المدينة.

وبعد توقف المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي، استولى الحشد الشعبي، على قصور صدام الرئاسية، والتي تضم في داخلها الكنيسة الخضراء، وهو ما حال دون إعادة إعمارها، وترميم أبنيتها، وفتحها أمام السائحين.

وقال مسؤول في وزارة الثقافة بمحافظة صلاح الدين، إن “الكنيسة تحولت في الوقت الحالي إلى ثكنة عسكرية، حيث تقيم فصائل مسلحة، بعضها ضمن الحشد الشعبي في القصور الرئاسية، وهو ما حوّلها إلى كومة من الحجارة، بل ونخشى سقوطها بالكامل، لأننا غير مطلعين على وضعها الحالي”.

ويضيف المسؤول العراقي، الذي رفض الإفصاح عن اسمه لـ”سكاي نيوز عربية” أن “وزارة الثقافة ودائرتها في محافظة صلاح الدين، قدمت أكثر من طلب للحكومة العراقية بضرورة النظر بوضع الكنيسة، وإنهاء وجود القوات العسكرية فيها، وسحبها ليتسنى لنا البدء بمرحلة الإعمار، لكن دون جدوى، وما حصلنا عليه هو الوعود فقط”.

وبعد غزو واحتلال العراق عام 2003 تعرض نحو 15 ألف موقع أثري للسرقة والنهب والتدمير، بالإضافة إلى تعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة آثار في التاريخ.