الرئيس السابق يرد على تصريحات الناطق بإسم الحكومة بشأن بيع منجم افديرك.

رد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على تصريحات وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، الناطق باسم الحكومة المختار ولد داهي بخصوص قضية “بيع منجم أفديرك”.

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين

مواصلة للحديث عن قطاع المعادن و تعريجا على التصريحات الرسمية الأخيرة التي تناولت موضوع بيع منجم افديرك.

أولا: يؤسفني حقا لجوء نظام دولة إلى التحايل على الشعب بالإشاعات و الأكاذيب لتلميعه، والحقيقة أن الكلام و الأكاذيب لاتمنح القوة لما لا تمكن تقويته.

وفي نفس السياق يطيب لي لفت عناية المنافقين ممن يتصدرون المشهد بمواقفهم المتغيرة والمتلونة إلى أنني استثنيتهم من التحدي الذي وجهت إلى الملايين من الشعب الموريتاني بما فيهم الرئيس الحالي و الوزراء الأُول و العلماء و الأولياء و حتى الجواسيس المندسين بين الجموع، لإثبات ما يدينني بالتهم التي وجهت إلي مؤخرا في ملف فساد العشرية، وحدها فئة المنافقين لم تحظى بشرف التحدي لأن الاسم و الصفة يكفيان من حالها عن سؤالها، قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}سورة المنافقون الآية (8)

وبعد: أود أن أعرج بالحديث على التصريح الرسمي الذي صدر الأسبوع الماضي من منبر الناطق باسم الحكومة وتحديدا الفقرة المتعلقة بقطاع المعادن، حيث تناولوا موضوع شركة تازيازت و بيع منجم افديرك، وسأبدأ بالأخير، حيث أورد المتحدث “أن منجم افديرك تم بيعه في شهر مايو من سنة 2019” و هي لعمري كذبة “ثقيلة” متجسدة من اللاشيء لو تعلمون، وأتحداهم أن يقدموا وثيقة تثبت دعواهم المتضمنة بيع المنجم وبالتاريخ المذكور.

هنالك ما يسمى بعقد استغلال و يختلف كثيرا عن صفقة البيع، و ما حصل هو توقيع مذكرة تفاهم بين شركة أجنبية و الشركة الوطنية للمناجم، ممثلة في الإداري العام للشركة، ولنتف ريش هذه الكذبة أود توضيح جناحها الثاني المتمثل في تسويق أن الوزير الأول والوزير الوصي لم يعلما بتمرير هذه الاتفاقية، والحقيقة أن هذا النوع من الصفقات لا يعني الرئيس و لا الوزير الأول بصفة مباشرة إلا أن إدارة الشركة تشعرهم من باب مسؤوليتهم كنظام يسير البلد، وهذه حقائق يعرفها أطر الشركة ويشهدون عليها، لكن الغرض من هذه الكذبة هو ربطها بتاريخ تنازلي عن السلطة واحترامي للدستور المحدد للمأموريات و محاولة تدنيس تلك الصورة.

من المعروف عند أهل الاطلاع أن الشركة الوطنية للمناجم لديها مجلس إدارة به مستثمرون أجانب، تحظى الدولة الموريتانية بأغلبيته بطبيعة الحال لكن هذا المجلس الإداري هو الذي يقرر ويسير الشركة، و من الصبيانية القول بأن صفقة بيع بهذا الحجم تتم دون علم الوزير الأول و الوزير الوصي ومجلس إدارة الشركة، فذلك محض الضحك على العقول.

بعد تقديم الشركة لعرض الاستغلال أعد الإداري العام للشركة ملف عن الموضوع تضمن عدة شروح عن المنجم كان من أهمها أنه كاسد منذ 30 سنة لم تستغله الشركة خلالها، وأن شركة أجنبية تقدمت بعرض لاستغلاله، وقدم الملف للحكومة، والعبرة ليست برأس مال الشركة المستثمرة فقد يكون مليونا أو مائة مليون ما يهم حقا هو حجم الاستثمار فقد تجلب ذات المليون استثمارا بمئات ملايين الدولارات عبر التمويلات أو القروض من المؤسسات المالية الدولية، فتلك كذبة أخرى تضاف ألى “حقيبة الكذب”، وهنا نصل إلى مقطوعة الاقتطاع من السياق وهو نمط آخر من تحريف الحقائق، فقضية الستة دولارات قدمت في العرض للتفاوض و هذا أمر عادي وليس جرما يستخدم ويسوق، فالعرض تضمن أيضا عدة نقاط ذات مردودية هامة مثل:
-النقل
-استخدام الميناء
كل هذا سيعوض عنه لشركة اسنيم بالإضافة إلى النسبة المذكورة، و على ذكر الستة دولارات فقد حرص المتحدث على إخراجها من سياقها فإذا كان سعر الحديد اليوم يصل إلى 200 دولار فإنه في فترة تقديم العرض المذكور لا يتجاوز 70 دولارا، و لا عار في بيع غرض بمبلغ ألف أوقية في فترة و ارتفاع سعره بعد ذلك بالأضعاف، لكن سوء النية قد يدفع بأصحابه إلى ارهاصات مختلفة ليس طمس الحقائق إلا أحد تجلياتها، للأسف.
في النهاية لم يتحقق أي من هذه الاقتراحات ولم يقبل العرض بسبب اعتراض الشركة الوطنية للمناجم على بند النقل والاستغلال وقامت برفض الصفقة في سنة 2018، ولأن السباحة في الهواء تفقد أصحابها القدرة على التركيز التام و السيطرة فقد غابت عن المتحدث نقطة مهمة، لو كان النظام الحالي حرر المنجم بالفعل و بفرسانه المغاوير كما صورهم الناطق باسمهم وألغى الصفقة لكانت الشركة الأجنبية المستثمرة تتابع الدولة الموريتانية قضائيا في المحاكم الدولية تمسكا بحقوقها التي تكفل لها الصفقة الموقعة بينها والشركة الوطنية للمناجم! كيف تمت تسوية هذه القضية بعيدا عن القضاء و الإعلام!

كما عودتكم خلال المداخلات السابقة فإنني أحرص دائما خلال هذه المداخلات على تكريس المقارنة بتناول المواضيع التي أحدثكم عنها بتقديم نمط التسيير المتبع قبل العشرية وبعدها إن وجد، لأن ما تحقق بعدها يحتاج لتقنيات مجهرية لتقديمه، والسبب في حرصي على هذه المقارنة هو شعوري بالمسؤولية تجاه ما تم خلال العشرية التي أمثل الدفاع عنها من خلال هذه الوسائل المتاحة للجميع، في ظل احتكار النظام للوسائل الإعلامية التقليدية.

وفي سياق متصل أذكر بأن نظام العشرية كان الأكثر ترشيدا لموارد الدولة و الأحرص على صيانتها، فكل ما بيع من عقارات نظمت له مزادات علنية على مرأى ومسمع من الجميع وبشفافية بالغة، و يعود بالكثير من المليارات على خزينة الدولة.

والغريب في هذه الأكاذيب و سياسات التلفيق هو غياب الحديث عن التجاوزات التي شهدتها أنطمة سابقة مثل محاولة بيع الشركة الوطنية للمناجم في مزاد علني، فلولا تصحيح المسار سنة 2008 لكان العمود الفقري للاقتصاد الوطني اليوم في خبر كان، ومع ذلك لم يتطرق له المتحدث في معرض حديثه عن بيع المناجم و مظاهر الفساد التي زعم أنها طبعت العشرية!
أما جديد حديثهم عن شركة تازيازت فكان تحميلهم العشرية مسؤولية عدم استفادة الخزينة من بيع رخصة الشركة سنة 2010 ووضع الخطوط المتعرجة تحت هذه الحقيقة، لكنهم لم يتناولوا السبب في ذلك وهو الإهمال الذي طبع تسيير البلد خلال الفترات التي سبقت العشرية، وهذه اختلالات طبعت تسيير البلد وعملنا خلال العشرية على تصحيحها، و حدثتكم في المرة الماضية عن القوانين التي أمرت بسنها و اليوم تستفيد الخزينة العامة للدولة من نتائجها بالحصول على نسبة 10% من كل عملية بيع لشركة على أرض الوطن.

الموضوع الثاني هو الأمن و هو موجة ركبها الكثيرون في هذه الفترة، وهي حقيقة مؤسفة، أستهل الحديث عنها بالترحم على أرواح ضحايا الجرائم و تقديم المواساة لأسرهم و ضحايا الاعتداءات، التي حصلت بسبب المشاكل التي يواجهها الأمن، نتيجة فشل الاستراتيجيات الأمنية المتبعة حاليا، لكن كل المشاكل _على كل حال_ يمكن حلها عن طريق اتخاذ الدولة للإجراءات المناسبة واتباع أنجع الخطط و أنجح الاستراتيجيات المدروسة و الاشراف على تنفيذها بجدية.
خلال 11 سنة حكمت خلالها هذه الدولة لن أنكر وقوع جرائم مؤلمة تحز في نفسي، ولكن ما حصل من جرائم خلال السنتين الماضيتين يفوق بأضعاف مجمل الجرائم التي حصلت خلال العشرية، ويفوقها خطورة من ناحية الكم والكيف، وهذا واقع يؤسفني كثيرا لكنه بسبب ضعف الدولة و فشل الخطط المطبقة، فلن يستطيعوا ادعاء عدم تسلمهم لمختلف الوسائل التي تم اقتناؤها خلال العشرية من: سيارات و عتاد وكوادر بشرية مكونة ومدربة وفي ظروف مادية جيدة، لكن خلل التحدي يكمن في الخطط وتنفيذها.
ومع أنني وجدت البلد في ظرفية خطيرة تماما، حيث يقتل الناس في كل وقت وكل مكان، ويتم اختطاف الأجانب و قتلهم وتهريبهم عبر الحدود، وتتم الإغارة على قواعدنا العسكرية و يقتل جنودنا و يتم الاستيلاء على قليل العتاد الذي بحوزتهم، قمت رفقة المختصين بطرح خطة أمنية وتم تطبيقها بصرامة و قد آتت أكلها.

وكان على الدولة تجميد كل نشاطاتها و اهتماماتها عند تتالي الجرائم الأولى في مدينة نواذيبو و العاصمة نواكشوط حتى تبسط سيطرتها على هذا الانفلات الأمني الخطير.

و فشل الخطط الأمنية يتجلى في سرايا السيارات الأمنية التي توزع على الشوارع الرئيسة والكبيرة لضبط حظر التجول لمكافحة جائحة كورونا، في حين يسرح المجرمون في الأحياء الشعبية و المناطق المكتظة بالسكان دون تواجد لنقطة أمنية و لا دورية، وهذا فشل ذريع وتخبط غير مبرر ولا مقبول، ففرض الأمن يحتاج إلى خطط و رجال واهتمام واندفاع وتوفير وسائل موجهة لحفظه ومتابعة صارمة للتنفيذ، وكلها عناصر غائبة عن الدولة حاليا وعن المشرفين عليها، وما يقام به من إجراءات لا تتعدى في الحقيقة تقديم التحية لأصحاب السيارات الفاخرة و وضعيات للتصوير والاستهلاك الاعلامي في شبه حركات إشهارية عديمة الجدوى تذاع عبر الأبواق الاعلامية التابعة للدولة، لتخدير الشعب، والنتيجة المؤسفة هي ما نشهدها اليوم من جرائم قتل وانتهاك للأعراض بشكل يومي وبأعداد مخيفة ومحزنة ومخزية.

في النهاية أتوجه إليكم بجزيل الشكر و سأتناول في المداخلات القادمة _إن شاء الله_ بعض
ملفات العشرية خاصة ملف الطاقة وفي الأسبوع القادم سأتحدث عن الشركة الوطنية للكهرباء SOMELEC لأعرض وضعيتها ما قبل العشرية و ما أوصلناها إليه خلال العشرية و الحالة التي تركناها فيها.
و أشكركم و السلام عليكم ورحمة الله.

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: