التعددية سنة كونية وسمة ديمقراطية… / محمد ولد عابدين

التعددية سنة كونية من سنن الله فى خلقه ، وقيمة مركزية من قيم الفكر الديمقراطي المعاصر القائم على التنوع والتعدد والاختلاف الخلاق الذى يشكل – فى كثير من الأحيان- جسرا قويا نحو التلاقي والاتفاق ، والتعددية هي نقيض الأحادية المرتبطة دلاليا وتاريخيا بالاستبداد السياسي والممارسة الدكتاتورية والمصادرة الفكرية وخطابات التخلف والتماثل وما تنطوى عليه من شحنة رجعية ، وثمة مظاهر وتجليات مختلفة ومتكاملة “للثقافة التعددية ” فى عصرنا الراهن ؛ فهناك تعددية سياسية وفكرية وإديولوجية وثقافية وإعلامية ، وهي جميعها تجسيد متناغم لفلسفة الفكر الديمقراطي الحديث.

ولأن الموضوع متشعب والمقام ضيق ، فأسكتفى فى هذه العجالة بالتأكيد على الأهمية البالغة لتكريس التعددية الإعلامية فى الفضاء السمعي- البصري الوطني ، من خلال تعزيز الإطار التشريعي والمؤسسي وإحداث القطيعة مع عهود الأمزجة الفردية والسياسات الارتجالية ؛ سبيلا إلى التمهين والتمكين لقيم العمل الصحفي الناضج الناصع والنابع من رؤية إعلامية قارة واستراتيجية اتصالية مدروسة.

لقد قررت موريتانيا منذ عقد ونيف تحرير الفضاء السمعي البصري وتحويل الإعلام الحكومي إلى إعلام عمومي مفتوح أمام مختلف مكونات الطيف السياسي والمجتمعي ، وجميع تيارات الفكر والرأي والتعبير ، وتطلب هذا القرار حينذاك خلق إطار مؤسسي وتشريعي لضبط وتنظيم المشهد الإعلامي الوطني ، وذلك ما تم التمهيد له من خلال القانون : 034 / 2006 القاضى بإنشاء السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية باعتبارها الهيئة العليا المستقلة المسؤولة عن ضبط ورقابة قطاع الاتصال من خلال السهر على تطبيق التشريعات والنظم المتعلقة بالصحافة والاتصال السمعي البصري.

لقد عجز الإعلام العمومي عن مواكبة التحول الديمقراطي الجديد ، وبقي أسيرا للممارسات المهنية التقليدية ، وهذا ما يؤكد أن جوهر المشكلة لا يرتبط بمنسوب الحرية ، وإنما بترجمة النصوص والقوانين إلى مضامين ومحتويات ملموسة ، فالأمر لا يتعلق بقرار وإنما بتصور ، فقرار التحرير مكسب ديمقراطي مهم ، ولا بد أن يواكبه تصور مهني يجسد فلسفة الخدمة العمومية ، وينتج مضمونا إعلاميا تعدديا يعكس تنوع الأفكار والآراء والمواقف والاتجاهات بشكل عادل ومتوازن .

ويحتاج الوصول إلى تلك المرحلة عقولا وطنية مستنيرة ؛ قادرة على التخطيط والتفكير أمينة فى التدبير والتسيير ، تهتم بالبرامج والمساطر والمقاربات والاستراتيجيات قبل المداخيل وأرقام الحسابات الفلكية والموردين والصفقات وبنود الميزانيات المليارية ، وتسعى بخطى واثقة على درب لعب الدور المحوري للإعلام فى تشكيل الوعي المجتمعي وصناعة الرأي العام ، وإنتاج الرؤى المهنية والمقاربات السياسية والفكرية والاقتصادية والتنموية ، وتجسيد التعددية الإعلامية بوصفها ركيزة مهنية محورية من ركائز الثقافة الديمقراطية ، تتعارض تعارضا جوهريا مع الأحادية والاستبداد والهيمنة والسعي المرضي اليائس والحرص الصبياني البائس لفرض وصاية وهمية زائفة على المشهد الإعلامي الوطني بشقيه العمومي والخصوصي.

ملاحظة : مقال سابق أعيد نشره بتصرف وتضمن إضافات جديدة.

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: