لجأ الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى مروحيته العسكرية، وطـار في رحلة طواف عبر عواصم الولايات، في زيارة ساعات، تتضمن بندا واحدا هو لقاء مع الأطر، والوجهاء يكون مخصصا – في الغالب- للشأن السياسي، ويتم انتقاء المتحدثين فيه بعناية بإشراف مباشر من الحاكم، والوالي، ثم يرد رئيس الجمهورية ردودا باتت محفوظة عن ظهر قلب بالنسبة للمواطنين، فردود الرئيس في انبيكت لحواش، لا تختلف عنها في روصو، وألاك، وكيهيدي، وقبلهم كيفه…الخ
يركز الرئيس في كل تلك المحطات على ضرورة دعم لوائح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، بنبرة لا تخلو من تحذير واضح، ترتفع وتيرته، وتنخفض، وهجوم على المعارضة، واتهام بعضها بالعمالة للخارج، لكن الهاجس الأكبر لدى الرئيس في كل تلك المحطات هو شبح “المغاضبين”، أو المتمردين السياسيين، الخارجين عنوة عن عباءة الحزب الحاكم الذي انتسبوا له، بحثا عن مصالحهم الشخصية بعد أن تعذر حصولهم عليها عبر الحزب، ذلك الحزب الذي شهد قبل أسابيع فقط هجرة نحوه من قبل الموريتانيين في جميع المناطق، أثمرت تسجيل أزيد من مليون منتسب للحزب، ولكن – وللمفارقة- ما هي إلا أيام قليلة، وأعلن الحزب مرشحيه للانتخابات، حتى بدأ الكثيرون بهجرة عكسية من الحزب، وكأنهم يقفزون من سفينة غارقة، خرجوا مذعورين، لا يلوون على شيء بحثا عن ترخيص لحزب يترشحون من خلاله، فهم لا يريدون تضييع الجهد البدني، والمادي الذي بذلوه في تحصيل الوحدات القاعدية دون أن يترجموه إلى مكاسب انتخابية شخصية، وكأنهم يتعاملون مع تلك الوحدات باعتبارها ملكا لهم، وليسوا مناضلين في حزب سياسي هو صاحب الكلمة الأخيرة، وهذا ما أشار إليه رئيس الجمهورية في كيهيدي عندما قال بالحرف “البعض لديه وحدات قاعدية، ويعتقد أنه يمكنه أن يضغط بها علينا لنستجيب لطلباته”.
استشعر الرئيس ولد عبد العزيز الخطر الداهم، ولم يعد مطمئنا لنتائج الانتخابات – خاصة البرلمانية منها- في ظل مشاركة خليط من الأحزاب، والشخصيات المتباينة التوجهات، وغير المعروفة المرجعيات، وهو ما يجعل ضياع الأغلبية البرلمانية المطلقة من يد النظام في هذا الظرف الدقيق أمرا لا يمكن تصوره بالنسبة للنظام، فقرر الرئيس تعزيز جهود حملة حزبه بتدخل مباشر منه للسيطرة على النزيف السياسي المتمثل في ما بات يعرف اصطلاحا بظاهرة “المُغاضبين”، لكن تكرار الرئيس للخطاب ذاته، وارتفاع وتيرة التحذير من الرئيس يشيان بعدم تحقيق تدخل الرئيس نتائج كبيرة، خاصة وأن وزراء في الحكومة، ورجال أعمال، وشخصيات بارزة في النظام لا تزال تدعم لوائح منافسة للحزب الحاكم، ولم تجمدها اتستجابة لدعوات الرئيس المتكررة.
ما يجمع عليه المراقبون أن موريتانيا تعيش هذه الأيام حالة فريدة في تاريخها السياسي، فقد جرت العادة أنه كلما أعطى رئيس الجمهورية – أيا يكن-إشارة باتجاه معين، يتسابق الناس إليه، بل ويبدعون في طرق الاستجابة لذلك التوجه، حتى بطريقة تفوق ما يريده الرئيس أصلا، لكن الصورة انقلبت هذه المرة، فالرئيس ولد عبد العزيز يدعوا جهارا نهارا لسحب اللوائح المنافسة لحزبه من أنصاره، ويعد الرئيس، ويتوعد، ومع ذلك الاستجابة أقل من ضعيفة، فأين الخلل ؟؟!!، هل بات البعض يتعامل مع ولد عبد العزيز باعتباره رئيسا منتهية ولايته، وبالتالي هو جزء من الماضي، والسؤال الأبرز ما خيارات الرئيس ولد عبد العزيز إزاء هذا الواقع السياسي المعقد، والذي يواجه فيه الرئيس – لأول مرة- معارضة من أنصاره يفوق خطرها معارضة معارضيه التقليديين؟؟!!.