-ع
تواصل الجهات الرسمية تجاهلها للمجازر التي تقع على الطرق، كما تواصل تجاهلها لمجازر أخرى لا تقل بشاعة، وهي تلك المجازر التي تتسبب فيها الانهيارات المتكررة للآبار التي يحفرها المنقبون عن الذهب، وفي هذا الأسبوع فقد تزامنت فاجعتان تستحق كل واحدة منهما أن نتوقف معهما في ظل هذا التجاهل الرسمي المتواصل.
الفاجعة الأولى وقعت صباح الأربعاء الموافق 7 نوفمبر 2018، وكانت نتيجة لحادث سير بشع وقع بسبب اصطدام حافلتين لنقل الركاب على طريق “الأمل” قرب أغشوركيت، وقد تسبب هذا الحادث في وفاة 11 شخصا بشكل شبه فوري وإصابة عدد كبير آخر بجروح، وقد تم فيما بعد تسجيل وفيات في صفوف الجرحى مما زاد من عدد القتلى.
لم نسمع عن زيارة رسمية لموقع الحادث، ولا عن حداد ولا عن تعزية لأسر الضحايا، ولم نسمع بطبيعة الحال عن أي استقالة أو أي إقالة لأي مسؤول، وذلك على الرغم من سماعنا في الفترة الأخيرة لاستقالة ثلاثة وزراء من الأردن والكويت بسبب فيضانات وسيول أدت إلى وفاة 22 شخصا (21 في الأردن و1 في الكويت).
لا حداد، ولا تعزية لأسر الموريتانيين الذين توفوا في حادث الأربعاء، وذلك على الرغم من أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان قد وجه منذ ثلاثة أسابيع رسالة تعزية إلى الملك محمد السادس، وتحديدا في يوم 17 أكتوبر 2018، وذلك بمناسبة وفاة 7 أشخاص في حادث انحراف قطار قرب الرباط، وكان الملك محمد السادس قد أرسل تعازيه الحارة إلى أسر ضحايا حادث انحراف القطار، مع تكفله الشخصي بنفقات دفن الضحايا ومآتم العزاء.
ومن قبل ذلك بعام، وتحديدا في يوم 17 يوليو 2017، بعث الرئيس ولد عبد العزيز ببرقية تعزية إلى الرئيس السنغالي ماكي صال، وذلك بمناسبة وفاة ثمانية أشخاص وإصابة آخرين بجروح في الحادث الذي شهدته مدرجات ملعب “ديمبا جوب”. فبأي منطق يسارع الرئيس الموريتاني إلى تقديم التعازي إلى الرؤساء والشعوب في حوادث أقل وفيات من حادث الأربعاء، وذلك في الوقت الذي يتجاهل فيه تماما هذا الحادث الأليم، فلا حداد ولا تعزية لأسر الضحايا؟ ولماذا لا تأتينا في موريتانيا رسائل تعزية من رؤساء الدول الشقيقة الذين لم نبخل عليهم في أي يوم من الأيام ببعث رسائل تعزية في حوادث لم تصل حصيلة قتلاها إلى عدد قتلى حادث الأربعاء الذي وقع قرب أغشوركيت؟
للأسف لا شيء سيتغير في بلادنا بعد هذه الفاجعة الأليمة، ولن تكون هناك إجراءات سلامة ولا إجراءات يتم اتخاذها بعد هذا الحادث الأليم للحد من حوادث السير، وخاصة منها تلك الحوادث التي تتسبب فيها حافلات تحمل عددا كبيرا من الركاب مما يزيد في العادة من عدد الضحايا. بالنسبة لنا في حملة “معا للحد من حوادث السير”، فقد أحصينا أربع شركات نقل قد أصبحت تحدد سرعة حافلاتها ب90 كلم / للساعة، وذلك بوضع جهاز تحكم في السرعة في حافلاتها، ولقد وعدنا هذه الشركات بأننا سنقوم بحملة دعائية لصالحها، وبحملة معاكسة للشركات الأخرى التي ما تزال ترفض وضع جهاز التحكم في السرعة في حافلاتها، ذلك هو جهدنا ولن نبخل في تقديمه.
الفاجعة الثانية التي سنتحدث عنها هنا تتعلق بانهيار بئر في مساء نفس اليوم الذي وقع فيه حادث سير قرب أغشوركيت، أي يوم الأربعاء الموافق 8 نوفمبر2018. في مساء هذا اليوم انهار بئر على ثلاثة من المنقبين عن الذهب في منطقة “تيجيريت”.
أحد الضحايا نجا، في حين توفيا اثنان بعد العجز عن إنقاذهما، وهما إخوة أشقاء، فوسائل الإنقاذ هي وسائل بدائية تعتمد على الحفر، ويعتبر الماليون هم الأكثر مهارة وخبرة في المجال. أحد الضحايا تواصل في اليوم الثاني مع المنقذين وطلب شربة ماء، وبعد مضي 42 ساعة تحت الأنقاض، تم إخراجه وهو ميت وبه كسور بليغة في الأطراف، وكان يمكن إنقاذه لو كانت هناك وسائل إنقاذ فعالة. أما الثاني فلم يستطع المنقذون الوصول إليه بعد مضي ثلاثة أيام على انهيار البئر، وأصبح أقاربه يفكرون في دفنه في المكان الذي يوجد فيه، ولا ينتظرون لذلك إلا إذن وكيل الجمهورية.
لم توفر السلطات أي وسائل إنقاذ فعالة لا لهؤلاء الضحايا، ولا لغيرهم، ولم توفر نقطة صحية لإسعاف الضحايا من قبل الوصول إلى الشامي، وذلك على الرغم من أن هذه السلطات كانت قد باعت للمنقبين عشرات الآلاف من رخص التنقيب بمائة ألف أوقية للرخصة الواحدة، كما فرضت عليهم رسوما جمركية على أجهزة التنقيب عن الذهب والتي كانت قد اختفت من الأسواق العالمية بسبب إقبال الموريتانيين عليها، وكان كل جهاز تسدد عنه 303 ألف أوقية قديمة كرسوم جمركية.
ما يحدث في مناطق التنقيب عن الذهب من حفر لآبار عميقة دون إتباع الحد الأدنى من إجراءات السلامة يشكل خطرا كبيرا على أرواح المنقبين، ولذا لابد من تدخل عاجل من طرف الحكومة لمنع الحفر الذي لا يتبع أبسط إجراءات السلامة، وردم الآبار التي تشكل خطرا على حياة المنقبين، هذا مع المسارعة إلى توفير وسائل إنقاذ وتشكيل فرق تدخل سريع وفتح نقاط صحية في مختلف مناطق التنقيب عن الذهب.
اليوم تفرض السلطة على تجار سوق العاصمة الخروج من محلاتهم بحجة أنها تخاف على سلامتهم من سوق قد ينهار، ومع ذلك فإنها لا تفعل أي شيء لسلامة مواطنين آخرين يموتون بفعل انهيارات آبار التنقيب. فبأي منطق تبالغ السلطة في حماية تجار سوق العاصمة، وتتقاعس بشكل مستفز عن حماية المنقبين عن الذهب؟ فهل السبب في التحمس هنا والتقاعس هناك هو أن التدخل الأول سيجلب للحكومة مالا والثاني سيكلفها مالا؟ للأسف لقد ابتلينا بحكومة جشعة لا تهمها سلامة المواطن إلا إذا كانت ستجلب لها مالا.
وحتى تدركوا حجم الكارثة التي تقع في مناطق التنقيب، فإليكم بعض الانهيارات التي تسببت في وفيات، والتي كنتُ قد جمعتها على عجل من خلال بحث سريع على الانترنت.
13 فبراير 2017 : وفاة خمسة منقبين عن الذهب بسبب انهيار بئر في منطقة تازيازت.
12 إبريل 2017 :وفاة ثلاثة أشخاص على الأقل وجرح شخص رابع، في انهيار بئر في منطقة تازيازت.
16 إبريل 2017 : وفاة منقب وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.
12 مايو 2017 : انهيار بئر على عدد من المنقبين.
27 مايو 2017 : وفاة اثنين من المنقبين عن الذهب بسبب انهيار بئر.
19 أغسطس 2017: أدى انهيار بئر إلى وفاة منقب عن الذهب.
04 ديسمبر 2017 : وفاة 7 منقبين عن الذهب بسبب انهيار بئر قرب الشامي.
08 يناير 2018 : وفاة منقب وإصابة آخرين بعد انهيار بئر تنقيب في مكطع لحجار.
03 فبراير 2018 : انهيار بئر على خمسة منقبين عن الذهب في منطقة “أخنيفسات”، وحسب آخر الأخبار فقد تم إنقاذ اثنين منهم.
12 فبراير 2018 : وفاة منقب عن الذهب بسبب انهيار بئر
10 سبتمبر 2018: وفاة شخصين وإصابة آخرين بعد انهيار بئر للتنقيب عن الذهب.
09 أكتوبر 2018 : وفاة منقبين اثنين وإصابة آخرين بجروح بعد انهيار بئر تنقيب في منطقة تيجيريت.
تلكم كانت بعض حوادث انهيارات آبار التنقيب عن الذهب، والتي أدت إلى سقوط ضحايا، وكنتُ قد جمعتها على عجل للفت الانتباه على كارثة مستمرة لا تجد من يتحدث عنها.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل