شهدت الساحة الإعلامية منذ أيام ظهور مقال طويل المبنى عميق المقاصد تسوده ضبابية في الرؤية يحذر فيه صاحبه من دخول موريتانيا في أتون حرب وينذر الرجل في مقاله من خوض غمار تلك الحرب التي أصبحت على الأبواب وفق الرجل وربما بدأت بالفعل، ويحذر من خوضها دون استشارة الجميع وإشراكه في القضية، ويحاول رسم حدود الثغرات الأمنية التي تواجه موريتاينا من عدة جهات ولعدة أسباب، مقللا من حكمة ما يبذل من جهود في سبيل تأمين المنطقة مركزا على جهات جغرافية دون أخرى، وجاء المقال تحت عنوان “السلم قبل الحرب” ويشير كاتب المقال في الأخير إلى أنه سيتواصل في عدة حلقات.
إن كاتب المقال هو رجل معلوم التاريخ لم تنمحي خطاه من صفحات الماضي، ولا أحد يجهل ذلك، ولا أحد يجهل المحطة السياسية التي نزل منها الرجل أول ما نزل إلى الميدان، تلك المحطة التي من الإنصاف أن نسألها ما ذا قدمت لموريتانيا؟
وماذا قدّم ولد ابريد الليل صاحب المقال أو “الرجل الثاني” لموريتانيا؟ وكيف رمت به دروب الدهر حتى جلس يحاضر عن الحرب والسلم؟ فهل هو مستشار في وزارة الدفاع أم أنه خبير عسكري يحذر من وقوع حرب ضروس تنمو أسبابها في الأفق ويتم التحضير لها على لهيب خافت؟
أبحر الشيخ في تيهه فأغار وأنجد في كل بقاع التاريخ وضرب الأمثلة من ثقافته الواسعة التي تمتد مما قبل الميلاد وحتى اليوم، وجال وصال في كل دروب التاريخ وضرب أمثلة عديدة على حروب قامت في غابر الأيام وجاء معها بشيء من أساطير الأولين، للبرهان على خيال واسع يسعى الرجل من خلالع لرسم ادعاء أو تداعي لا وجود لشيء من أماراته في الواقع.
فتساءل بعض المراقبين هل أضحى الرجل يحتاج لجلسات نفسية تساعده في تحمل موجات الزهايمر التي تنتابه؟ فيختلط حابله بنابله.
أم أنه بات يسعى إلى استعادة مكان في النظام الحالي بعد أن أتى على الأخضر واليابس في الأنظمة السابقة؟ وهيهات العقيق.
هل في واسع علم الخرف إن الناس اليوم أصبحت على وعي بما يدور في رحى السياسة وأصبح الإعلام أكثر قربا إليها منذي قبل بفعل الثورة التكنلوجية التي أحكمت قبضتها على العالم اليوم، فلا أحد يجهل ربان السفينة التي يدور الرجل في فلكها ومن يوجهها ويعطيها إشارة الانطلاق والتوقف، وعلى اطلاع بما يستهدف من خلف تلك الخرجات الإعلامية المفاجئة والتي لا تضيف جديدا ولا تقنع أحدا، إنه من تلك الجماعة التي لعقت أصابعها من عهد سابق لكنها لم تشبع ومازالت تريد اليوم أن تحصد كل شيء لنفسها فقط.
ويبقى من المؤلم أن نوحي إلى برد الليل إن عنوان مثقف هي كلمة أصبحت تفرض على إنسان اليوم أن يخرج على النص ليثبت لذاته شيئا مما ليس لها، من خلال بعض ما لصقه من أيام الدراسة الأولى .
هو مقال طويل كأن كاتبه يهذي وهو يحاضر في التاريخ الحربي .. فمضى الرجل يتأرجح في فكره وكأنه يبحث لموريتانيا عن السلم، وكأن موريتانيا في أتون حرب متقدة ولا تملك من المستشارين العسكريين أو الأمنيين من يوجهها غير شيخ خرف، أكل الدهر على لحيته وشرب، ولا شأن له بالحرب ولا بالسلم، ولم يبلغ من وطنيته أن يهتم بشأن موريتانيا، وإنما يريد فقط أن يجتث لنفسه مقاما من الإهتمام بين الناس، واتخذ لذلك مطية غير موفقة من خلال هجومه على الإستراتيجية الأمنية التي تعيشها موريتاينا، حيث أن موريتانيا ومنذ مقدم رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وحتى اليوم تعيش حالة أمنية مستقرة استطاعت خلال هذه الفترة التغلب على الإرهاب والهجرة السرية ومنظمات الجريمة العابرة للحدود، حتى أن موريتانيا أصبحت تملك تجربة أمنية يعترف بها العرب والغرب، وجاء الرؤساء الأفارقة والعرب للاستفادة منها.
إن محمد ولد عبد العزيز هو من يمثل مصالح الدولة ويسعى إلى ضمان السلم وهو من يسهر على تأمين منطقة الساحل التي هي جزء لا يتجزأ من تأمين المنطقة، وأثبتت أن موريتاينا تملك استراتيجية أمنية متزنة، وأنه لا مزايدة على عروبة ولد عبد العزيز فعروبته ناصعة الأصل وجلية المنبع.
إن رؤية الرجل الخرف معادية للقومية العربية، حيث أن من يريد أن يكذب حقيقة قوات الساحل ومن يريد أن يخرج هذه الإنجازات عن نطاقها الأمني فهو يخدم بالفعل أجندة خارجية ولا يتهم لأمر وطنه.
حيث يبدو الرجل متناقضا مع ذاته وفق ما يكتب سلفا ومنذ قليل وما يكتب الآن فهو متذبذب الموقف يتهادى في خطاها.
يجب أن يترك الرجل شيئا لمن بعده أو لأبنائه وأحفاده وأتباعه، فالوطن مليء بالمثقفين الذين خبروا الدولة وعاصروا مختلف الأنظمة، وهم في راحة من أمرهم لا يحملهم ذلك على ارتكاب أمواج الشتاء وبرد اليل وحرارة النهار، ولا مجادلة رسل الأحداث المتتالية، وهنا ندعو الرجل إلى اتباع الحكمة والإنصات لداع العقل فلكل مرحلة عمرية ما يصلح لها ومن تركته سن تركها كما قال البيظان.
اتلانتيك ميديا