تلعب الأحزاب السياسية دورا محوريا لا غنى عنه في الممارسة الديمقراطية، إذ هي الحاضنة الطبيعية لكل عمل سياسي منظم وممأسس وقانوني، وهي مؤطر الخزانات الانتخابية الثابت والمراهن عليه في مختلف الاستحقاقات، ولكي تتجذر المكاسب الديمقراطية لابد من وجود أحزاب يركن إليها هواة السياسة ومحترفوها من المثقفين وعامة الشعب، من الذين يسعون إلى إقناع أكبر عدد من المناضلين لتنفيذ برامجهم بغية إرضاء مناضليهم ليقفوا معهم في كل الظروف.
ولأن الظروف المتاحة لهذه الأحزاب تتفاوت حسب الزمان ونوعية الأنظمة: الرئاسية أو شبه الرئاسية أو البرلمانية ، ونظرا للاختلاف الطبيعي حول طرقها ومناهجها وآلياتها، ونتيجة للتفاوت الذي يحكم الفروق بين هذا الحزب أو ذاك، فإن أحد هذه الأحزاب هو الذي سيفوز ليسير الحكم لفترة محددة بالنص الدستوري ، مادامت مقاربته هي الأنجع والأجدى أو هي التي أقنعت الغالبية، وما دام يملك أغلبية كافية لذلك تفرض عليه تحمل المسؤولية أكثر من غيره من الأحزاب لأنه يجرب مدى نجاعة برنامجه وأطروحاته على حياة الناس ومصالحهم وأمنهم ، لذلك فهو أمام محك السلطة ومتطلبات المسؤولية التي تجعل مصداقيته مرهونة بالعمل المسلح بكل تلك الرهانات ، منسجم مع كل تلك المتطلبات والالتزامات السياسية والأخلاقية التي طالما أغرت أنصاره والمتعاطفين مع طرحه ونهجه وخطابه.
إلا أن هذه الأحزاب الحاكمة ستتفاوت هي الأخرى من بلد إلى بلد ومن زمان إلى آخر ومن ظرف إلى غيره حسب الشعوب والمعطيات الميدانية لكل مجتمع، فالمستويات التنظيمية للإطارات الحزبية ومدى تناغمها مع المعطيات السوسيو سياسية ومستوى قدرتها على مواكبة المستجدات.. قضايا تحدد قدرتها الدائمة على تجدد الخطابات السياسية وتبنيها للنوازل المتلاحقة وفق منطق يناسب تلك القضايا ويحدد نوعية قدرة برامجها على المنافسة والبقاء ، ومدى جاهزيتها لتجاوز الجمود و”الإستاتيكية” التي طالما فتكت بالأطروحات وأظهرت الشيخوخة المبكرة على بعض الأحزاب والمنظمات السياسية ، في إطار تشبثها غير المعقلن بالسلطة والركون إلى الرتابة والتمييع الذي يعرضها للذبول والانفصام مع الجماهير ذات الحاجيات الكثيرة والمتجددة والمعقدة والمتداخلة و المتأبية على التأجيل والتحري، وهو ما قد يؤدي بالأمور إلى التفلت من السيطرة والضبط في زمن تسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي الجديد والسريع.
وهناك أمور لابد من توفرها في الحزب الحاكم كي يتصالح مع نهجه وجماهيره وأطروحاته، ولينسجم في علاقة واضحة ومتسقة مع أجهزة الدولة والمؤسسات الدستورية والمدنية في البلد، وأهم تلك الأمور:
– حرصه أكثر من غيره على سلامة الناس ومعاشهم وسلامة الحوزة الترابية وسيادة البلد وأمنه واستقراره.
– توفر الضوابط القانونية المطلوبة والمعروفة ، والالتزام بفحوى النصوص الحزبية واحترام الآجال القانونية لتجديد المؤسسات الدستورية.
– المشاركة الدائمة في كل الاستحقاقات والحصول على أغلبية مريحة تضمن تنفيذ التزامات وبرامج الحزب الحاكم، في جو من الشفافية والديمقراطية.
– التوفر على برامج جذابة تنطلق من واقع البلد وحاجيات أهله.
– لابد للحزب الحاكم أن يكون مرؤوسا من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول (رئيس الوزراء) كأداة لتنفيذ برنامج حزبه الذي انتخبه.
– جعل الناس يحسون أنه بإمكان الحزب نقلهم من وضعهم إلى وضع أحسن منه.
– قدرة الحزب على المشاركة الفاعلة في تسيير مناحي الشأن العام.
– أن يستطيع الحزب نشر العدالة وتساوي الفرص بين جميع مناضليه وأنصاره.
– جعل خطاب الحزب قريبا من عامة الناس،
– المحافظة على تقوية العلاقة الدائمة مع الأحزاب الحاكمة والمماثلة إقليميا ودوليا، شرط أن تحترم ثوابت الأمة والنظام القائم.
– الإسهام بفعالية في تطوير وسن القوانين التي تخدم المصلحة العامة عبر منتخبيه وحلفائه في المنظومات التشريعية.
– الحضور الفاعل والقوي في كافة مفاصل وبرامج الإعلام وأنواع الدعاية.
ولن يستطيع ذلك إلا بامتلاكه بنية قوية وأجهزة مرنة وواعية تملك زمام المبادرة ، وتستطيع الحركة في الوقت المناسب، و لابد له كذلك من التسلح بخطاب يعي طبيعة كل ظرف ومحدداته ومقتضياته السياسية والعملية، كي لا يصير عرضة للتشظي والتفكك وتشفي المنتمي النصير قبل المعارض والمناوئ، فلابد والحالة هذه من التركيز على المستويات التنظيمية التي تكرس التناغم بين الهيآت والمنظمات الحزبية الموازية.
إن الأحزاب الحاكمة عضد لأجهزة الدولة ورافد للنظام الحاكم، تمده بالخطاب والعنصر البشري المدرب والواعي، وهي حريصة أكثر من غيرها على نجاح الأجهزة الرسمية في أداء مهامها في أحسن ظرف وفق رؤية الحزب وفلسفته السياسية، ولا بد من إعطائها الاعتبار الذي يتطلبه كل ذلك.
حفظ الله حزبنا !!!.
د.محمد الأمين شامخ/ أستاذ جامعي
whatsapp googleplus