١- الأصل في هذا النوع من قضايا “إثارة الجدل” أن يبتعد فيه النّقاش عن الإطلاقات المسيئة إلى البلد ككل أو الانتقاص منه، وأن يُركِّز على ما يجمع ويؤلف القلوب. فالشعوب في الدول التي لها سياسات عدائية ضد بلدنا ليست مسئولة عن أفعال أنظمتها ولا عن إساءة أحد قادتها أو مواطنيها، فما بالك ببلدان شقيقة تجمعنا معها روابط الجيرة والرّحم والتاريخ والمستقبل.
٢- لم يكن هذا الفيلم -بصراحة- مهنيّا في حديثه عن موريتانيا. وليس هذا القول تغطية، باسم “الوطنيّة”، على فشل سلطات هي المسئولة عن الواقع المتردّي للبنية التحتية وللخدمات العمومية.
فطبيعة الفيلم وثائقية، يقصد منها إلقاء الضوء على معاناة سائقي الشاحنات المغاربة من أغادير إلى دكار. وبالتالي توثيق مصاعب الطريق مطلوب، ولا شك أن الجزء المتعلّق بموريتانيا من تلك المصاعب سيكون هو الأكبر. ولكن عدم ذكر أي شيء إيجابي عن هذا البلد، في ظل امتداح جيرانه الزائد لم يكن موفقاً ولا عادلاً.
فأن تكون داخل حدود المغرب في انسيابية المخزن والجمال والوطن، وفِي السينغال في التاريخ والثقافات والطبيعة، وتثني على مالي بمعاملة الأخوة، وعندما تصل إلى “هاذول” (تقصد موريتانيا) ف “الْيَوم ما فيه سكر ما فيه أتاي”، فهذا إن لم يكن مسيئاً فهو ليس مهنيّا ولا منصفاً على الأقل.
نسبة موريتانيا إلى إفريقيا على العكس من المغرب (خلال الحديث عن معبر الكركرات)، وإن كنت شخصيا أراها نسبة حقيقية وإيجابية، إلا أن سياقها كذلك في الفيلم لم يكن مناسباً.
أما عبارة المقدّم: “بلد المليون شاعر كما يقولون” خلال الحديث عن مصاعب النقل البرّي في المنطقة، فلم تكن واردة ولا مسئولة.
٣- الوثائقي كان أغلبه على لسان السائقيْن في الفيلم، وهما وإن لم يذكرا أي شيء إيجابي عن موريتانيا إلا أنهما لم يحرّفا كثيراً في ذكر السلبيّات والمصاعب. ولكن لو أطلقنا العنان لركّاب موريتانيّين أو أفارقة (أو حتى غربيّين) لتوثيق مصاعبهم مع سلطات الشّحن والأمتعة في مطار محمد الخامس مثلا، دون إنتاج برامجي مناسب، لربما أثّر انفعالهم بواقعهم اللحظي، وأنتجنا عنصراً وثائقياً مجتزءًا وغير منصف.
٤- الأعمال الإعلامية التي بها مقارنات بين بلدان نفس المنطقة حسّاسة، وتتطلّب الكثير من التدقيق والمهنيّة، وخاصة إذا كان مُنتِجها أحد أبناء تلك البلدان. وقد كان على “الجزيرة الوثائقية” أن تدرك ذلك، وخاصة أنها وجدت الوقت الكافي للتقديم والإخراج (تبدو أحداث الفيلم مسجَّلة خلال شهر رمضان). وقد أحسنَت إذ انتبهت إلى الأمر وأزالت التسجيل من صفحتها على اليوتوب.
ونكرّر في الأخير بأن أنظمتنا هي المسئولة أولا وقبل كل شيء عن هذا الواقع المتردّي لبنيتنا التحتية وعن سوء الخدمات العمومية ومشاكلنا التنموية.
وأن علينا أن ندرك بأن تغيير أي صورة سلبيَّة لموريتانيا في الخارج يبدأ من الدّاخل.
بقلم عبد الله بيان