قالت صحيفة The Guardian البريطانية إن أهم عناصر الغموض التي أحاطت بقضية مقتل جمال خاشقجي الصحافي السعودي، كيف تمكنت وكالة الاستخبارات التركية من الحصول على التسجيل الذي يوضح عملية اغتيال خاشقجي.
وأوضحت الصحيفة البريطانية في تقرير نشرته الأحد 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أنه بينما كان الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية، وقبل لحظاته الأخيرة أثناء تعامله مع قاتليه، كان مسؤولو استخبارات أتراك من وكالة الاستخبارات التركية يستمعون لما يحدث دون علم السعوديين، ليحصلوا على الدليل الأكثر إدارة للسعودية بمقتل جمال خاشقجي.
كيف حصلت وكالة الاستخبارات التركية على التسجيل الصوتي؟
ووضعت الصحيفة البريطانية مجموعة من الفرضيات بشأن كيفية تمكن وكالة الاستخبارات التركية من الحصول على التسجيل.
وقالت، تتراوح السيناريوهات من جهاز تسجيل صغير وُضِع داخل القنصلية نفسها إلى ميكروفون مُوجَّه كان مُركَّزاً على المبنى من الخارج، وكلاهما ضمن قدرات تركيا التقنية.
وهناك احتمال آخر، يُتداول في تركيا وفي أماكن أخرى، يفيد بأنَّ بعض أعضاء فريق الاغتيال السعودي سجَّلوا عملية الاختطاف والقتل على هواتفهم كدليل على نجاح العملية من أجل الحصول على المكافأة، أو لإفشاء تلك التسجيلات عندما يصلون إلى وطنهم السعودية، وأنَّ تلك التسجيلات إما اعتُرضت وقت تسجيلها الفعلي أو استُرِدَّت من ذاكرة أحد هواتف القتلة.
بغض النظر عن الطريقة، فقد حصل المسؤولون الأتراك سريعاً على تسجيلٍ صوتي لجريمة قتل صارخة ووحشية حدثت داخل جدران القنصلية السعودية، وأصبحت منذ ذلك الحين حجر الأساس في القضية ضد المملكة السعودية.
والتي تسببت في صدمة للرئيس التركي بعد أن سمع تفاصيلها
ويقول المسؤولون الأتراك إنَّ التسجيل الصوتي مقتل جمال خاشقجي خلال سبع دقائق مروعة تعرَّض فيها أولاً للتعذيب، ثم تشويه أعضائه، وبعد ذلك حقنه بمادة مُخدرة، ثم تمزيق جثته إلى أشلاء في نهاية المطاف.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد ثلاثة أيام من اختفاء خاشقجي، اجتمعت القيادة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة لتلقي موجزٍ معلوماتي من رئيس جهاز وكالة الاستخبارات التركية هاكان فيدان وكبار الضباط. وقد أخبروا الرئيس التركي أنَّ خاشقجي قد ذُبح وقدَّموا له دليلاً دامغاً على ذلك.
ويقول مسؤولون أتراك رفيعو المستوى إنَّ صدمة أردوغان سرعان ما تحولت إلى غضب. إذ طالب فيدان وآخرين في الاجتماع باستدعاء السعوديين، وإطلاعهم على بعض ما توصلوا إليه من معلومات.
وهو التسجيل الذي جعل السعوديين «يائسين»
وبعد عشرة أيام من الضجة الإعلامية الغاضبة، أرسل العاهل السعودي الملك سلمان -الذي انفصل إلى حدٍ كبير عن إدارة شؤون بلاده منذ أن عيّن ابنه خليفةً له قبل 16 شهراً- الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة الذي يُعد واحداً من أكثر مبعوثيه الموثوقين، إلى أنقرة للقاء أردوغان، وهي خطوة فُسّرت على نطاقٍ واسع بأنَّ الحارس القديم المُهمّش قد أعيد أستدعاؤه لتنظيف فوضى ولي العهد المتهور.
وقال مسؤول تركي: «هذه هي الطريقة التي اعتادوا إدارة الأعمال بها. إرسال شخصية حكيمة للتعامل مع الأمر».
وسرعان ما أصدرت الرياض تصريحاتٍ تتحدث فيها عن علاقات الإخاء والصداقة بين الحليفتين الإقليميتين. لكن لم تكن الأمور تسير على ما يرام من وراء الكواليس، على الأقل بالنسبة للمملكة السعودية.
وقال المصدر التركي عن خالد الفيصل إنَّه «كان يتوسل إلينا حرفياً طلباً للمساعدة». وأضاف: «لقد كانوا حقاً يائسين».
ما جعل الرياض تبحث عن مخرج لقضية مقتل جمال خاشقجي
ومن جانبها، تشيد واشنطن بالتسوية التي بموجبها أُلقي باللوم على خمسة مسؤولين سعوديين وإقالة اثنين منهم من مناصبهم، وهما سعود القحطاني، المُنفذ المخلص لأوامر محمد بن سلمان، وأحمد العسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية، ووصفت واشنطن التسوية باعتبارها معقولة، لكنَّ التسوية استُهزِئ بها في كل مكانٍ آخر بوصفها مجرد حيلة سعودية لحفظ ماء الوجه.
وقال مسؤول سعودي سابق يعيش الآن في المنفى: «ببساطة، لا يمكن أبداً تصور أنَّ الأمير محمد بن سلمان كان غافلاً عن هذا، سواءٌ قبل إعلان الحقيقة أو بعدها. لا يمكن أن يحدث ذلك حتى في يومنا هذا. فاقتراح أنَّ شخصية مُسيطرة مهووسة بالسلطة ومُستبدّة مثل ابن سلمان قد فوجئت بتصرفات مساعدين لها حَسني النوايا هو أمر هزلي للغاية».
في انتظار أن يفرج الأتراك عن تفاصيل التسجيلات
يبحث المحققون الأتراك الآن في غابات إسطنبول عن رفات خاشقجي، ويتوقعون إغلاق قضيتهم قريباً. وفي الوقت نفسه، يواصل قادة البلد تقييم خياراتهم. إذ أنَّهم لم يفرجوا بعد عن أدلة التجريم الأكثر إدانة ضد المملكة العربية السعودية في القضية، وخاصةً التسجيلات.
قد يتسبب القيام بذلك في عواقب مدمرة قد تؤثر على الأمن الإقليمي. ويبدو أنَّ ترمب في واشنطن يشعر أنَّ مصالحه ومصالح عميلته في المنطقة ربما تكون محميةً إذا سُحبت الأحداث بعيداً عن حافة الهاوية.
وقال دبلوماسي إقليمي رفيع المستوى: «سنرى ما سيحدث حيال ذلك. من الإنصاف القول إنَّ النظام العالمي مات هنا جنباً إلى جنب مع خاشقجي. أنا أشعر بالفزع مما سيحدث بعد ذلك».