قبل سنوات حصلت شركة ام سي ام MCM على ترخيص باستخراج وتسويق معدن النحاس من حيز جغرافي يشمل عموم منطقة اينشيري، على ان يكون نصيب الدولة الموريتانية يوازي حجم نصف الارباح الصافية بعد اقتطاع كافة التكاليف خارج الأتاوات والضرائب دون التهاون بالاسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الولاية مع مراعاة تعديل بنود العقد لمصلحة الدولة في حال تصاعدت وتيرة الإنتاج وبالتالي حجم الارباح فوق مستوى التوقعات .
هذه الشروط العادلة في هذا العقد كانت كفيلة بتحويل الولاية إلى جينيف موريتانيا لو تم التطبيق الحرفي او حتى التقريبي ولو لشروط العقد الرئيسية، لكن الذي حدث هو أن اينشيري تتحول بسرعة قياسية الى مقديشو موريتانيا مع الفارق الواضح في الخلفيات والأسباب والأبعاد .
لقد اعتمدت الشركة منذ أول أيامها في حصد الأرباح وهو أمر بدأ فور التسويق الفعلي للإنتاج الذي لم يتأخر من فترة الاستخراج، سياسة لي العنق وإدارة الظهر لكل ما وقعت عليه قبل فترة قصيرة .
ويبدو ان بريق النحاس والذهب الذي باتت تستخرجه بكميات تفوق أضعاف تقديراتها قد أمسى قوة تحريض على اعتماد منهج التركيز في الاستنزاف مع التعامل مع المسؤولين الكبار في القطاع الوزاري الوصي، واكتتاب شرذمة من الموظفين تستطيع بكل كفاءة لعب دور كلاب الحراسة مقابل رزم من النقود .
ويبدو ان هذه الاستراتيجية قد آتت أكلها وكشفت عن قدرة عبقرية على التخطيط الخسيس لتحقيق الغايات الدنيئة على حساب شعب بدأ يتلمس حقيقة وفعل الوجه الآخر لشركة أم سي أم MCM .
إذا هو الاستغلال المزدوج على أشده، فالشركة تستغل باطن الأرض لينعكس بؤسا وتعاسة على ظاهرها وهي تستخرج أنفس المعادن من الأعماق لتنشر الوباء والبلاء على السطح وهي تجند مرتزقة من كبار موظفيها لا عمل لهم إلا استخدام عبقريتهم الفذة بأسوأ الأشكال بحق وطنهم ومواطنيهم.
كان آخر ذلك عندما أقدم أحد كوادر الشركة أو كلاب حراستها على الأصح على تقديم مقترح لمديرها العام غاية في انعدام الوطنية واحتقار الشغيلة الوطنية فحسب مصادر ” السبيل ” : فقد اقترح المدير العام في اجتماع عام مع المدراء بتقديم مبلغ تشجيعي للعمال مقترحا خمسين الف اوقية لكل عامل، إلا أن خساسة أحد المدراء أملت عليه ان يقترح على المدير تقديم سلة غذائية على غرار ضحايا الفيضانات في مشهد مذل للكرامة الإنسانية، إلا أن له في ذلك مآرب شتى ليس اولها التزلف للأجنبي وانتهاء بعقد صفقة مربحة في استجلاب المواد الغذائية المقترحة والتي صدمت العمال وأهاليهم والرأي العام الوطني في قيمتها ومحتواها وجلبت للشركة النقمة حيث لا تتعدى قيمة السلة الواحدة مبلغ 8 آلاف اوقية من المواد الغذائية ولا أحد إلا الله يعلم صلاحيتها .
فإلى متى تتواصل الممارسات السوداء بحق مواطني وساكنة ولاية اينشيري على ايدي غول صناعي يستخرج من المعادن النفيسة عُشر ما يرتكبه من جرائم ترتفع لتصل مستوى جرائم ضد الانسانية ولولا انها تقع في منطقة مدنية لتم تصنيفها كجرائم حرب تقتضي قضاة من فئة ” نورنبيرغ ” الشهيرة، والغريب ان الشركة المعتدية لا تتجرؤ – ولم تكن لتفعل ذلك – لولا التواطؤ الصريح الفج بين مسؤوليها الغربيين واذنابهم من بعض الموريتانيين الذين اعماهم بريق النحاس والذهب الوهاج والامتيازات التي لم يحلموا بها في يوم من الايام بالتخلي عن جنسيتهم الموريتانية التي تفرض عليهم – او هكذا ينبغي – حدودا للطمع والشراهة لا يجوز تجاوزها .
وسيكون على مدير الشركة ان يعي حقيقة وجوده في بلد ذي سيادة له قوانينه واعرافه وتقاليده المقدسة وان يخضع لها كأي وافد جاء الى بلادنا بحثا عن لقمة العيش بعد ان عزت عليه في بلاده على بعد آلاف الأميال .
السبيل