هيئة الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز
المقر المختار مكتب الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
رقم الهاتف 46323132
نواكشوط بتاريخ 05 /9/ 2024
بيـــــان
البيان المنسوب لنيابة الاستئناف تصـرف فضولي، وانتهاك للقانون، وتحريف للوقائع
إن البيان الصادر بعد نهاية دوام يوم الجمعة 30/08/2024 باسم النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف، لا يُمكن تصور صدوره عن تلك الهيئة القضائية الموقرة، ولا عن أية هيئة قضائية أخرى. وذلك لأسباب عديدة منها: عدم اختصاص النيابة بإصدار البيانات في قضايا منشورة أمام المحكمة، ومخالفة ما ورد فيه للنصوص القانونية الصريحة، وتحريفه للوقائع الثابتة، وضعف حججه، وخشبية لغته، وما ينطوي عليه من عدم اللباقة والاستفزاز. ولذلك نرجح صدوره عن الخلية السياسية الأمنية التي تدير “ملف العشرية” الكيدي الباطل من وراء ظهر العدالة.
ومع ذلك، فسوف نبين بطلان الأقاويل الواردة فيه تباعا.. وذلك دفاعا عن حقوق موكلنا المنتهكة، واحتراما للحقيقة، وللمتلقي، وصيانة لمبدأ الحق في الإعلام “المكرس دستوريا” وقانونيا (حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها أو من خلال وسائط تتمتع بالمصداقية). وذلك فيما يلي:
1. إن النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف لا تملك اختصاص ولا أهلية الحديث إلى الإعلام في ملف منشور أمام تلك المحكمة؛ ذلك أن اختصاص النيابة العامة المحدد في المادتين 27 و28 من قانون الإجراءات الجنائية ينحصر في ثلاثة أمور هي: ممارسة الدعوى العامة، والمطالبة بتطبيق القانون وفقا للتعليمات التي أعطيت لها من طرف وزير العدل، وتنفيذ أحكام القضاء. وعليه، فإن خوضها في بيان صحفي في ملف منشور أمام المحكمة، وتطاولها على رئيسها وزير العدل ومصادرتها لصلاحياته، وتنبيهها له أن الملف ليس من اختصاصه، وأي تدخل فيه من طرفه “ينافي مبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستوريا” إنما هو خطأ، وخطل، وسابقة خطيرة في تاريخ العدالة، وافتئات، وفضول، وشطط، وجهل، أو تجاهل، بأبجديات القانون!
2. ويسعى البيان في بدايته إلى الالتفاف على نهج التعاطي الطبيعي الحاصل بين هيئة الدفاع ومعالي السيد وزير العدل؛ بصفته الوزير الوصي، والمشرف على تنفيذ السياسة الجنائية للحكومة. وذلك لتسويغ التملص من الوعود التي قطعها معاليه لهيئة الدفاع بتسوية مسألة علاج موكلها المستعجلة، وحل معضل الاتصال به. بيد أن مسعى البيان كلفه غاليا، وأدخله في متاهة لا مخرج منها حين قال: “يجب التنبيه إلى أن وزير العدل يتلقى الرسائل ويستقبل المراجعين ويتعامل مع كل ذلك بما يقتضيه المقام. ومع ذلك فإن ملف المعني يعود الاختصاص فيه حصريا إلى المحكمة المعنية، وأي تدخل من طرف وزير العدل ينافي مبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستوريا”. فمن أين يا ترى تستمد “النيابة العامة” صلاحية التدخل في ملف منشور بين يدي العدالة، ما دام وزير العدل – في نظرها- غير مختص؟ ولمن توجه تنبيهها المغرض؟ أللسيد وزير العدل الذي يدرك تمام الإدراك زيفه وخشبية لغته؛ وذلك لا لأنه يخالف نص المادة 31 من قانون الإجراءات الجنائية التي تقول: “يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، ويبلغها إلى المدعي العام لدى المحكمة العليا الذي يسهر على تطبيقها… وله (المدعي العام) أن يرفع إلى المحكمة المختصة الطلبات التي يراها الوزير ملائمة” فحسب؛ بل لأن معاليه هو الآمر الناهي اليوم في كل صغيرة وكبيرة في مرفق القضاء، ولا يوجد من يستطيع – ولو تلميحا- أن يرفع في وجهه خرافة “مبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستوريا”! وهب جدلا أن الأمر كما وصفه البيان، فلماذا حضر السيد النائب العام “المستقل” (الذي نسب إليه البيان) الاجتماع الذي عقده وزير العدل في مكتبه بالوزارة؛ والذي كان محل تصريح صادر من داخل وزارة العدل للأخبار بتاريخ 24 /7/ 2024 يطابق حرفيا ما صرحنا به اليوم نفسه؟! أما نحن (هيئة الدفاع) و”المحكمة المعنية” والرأي العام الوطني والدولي فلا يعنينا “التنبيه” في شيء، لأننا نعلم علم اليقين أن لا عبرة في الوضع السائد اليوم في بلادنا بجميع ما هو “مكرس دستوريا”. وإنما العبرة بـ”التعليمات”.. و”التعليمات” فقط!
3. وينفي بيان “النيابة العامة” ما ذكره الدفاع من خطورة الوضع الصحي للرئيس محمد ولد عبد العزيز فيقول: إن “الإشارة إلى خطورة الحالة الصحية في الإيجاز، فهي غير صحيحة”. لكنه سرعان ما يؤكد ما كذبه فيقول متحدثا عن متابعة “طبيب الرئيس” لحالته الصحية: “وكان آخر هذه التقارير تقريرا أعده بالاشتراك مع أخصائي جراحة عظام ومفاصل (اختاره طبيب المعني) تضمن أن المعني يعاني من التهاب في الركبة يسبب له آلاما، مما يقتضي علاجه”. (إلى كذبتك “النيابة العامة رددها الأخبار”) نحو ما يقول المثل!
ولكن “النيابة العامة” لم تذكر لنا طبعا – ولن تذكر لنا- الحقائق التالية:
– أن العلاج المقرر الذي تتحدث عنه في تقريرها هو عملية معقدة.
– وأن من ستجرى له العملية المعقدة هو رئيس سابق لموريتانيا،
– وأنه يعاني بسبب الحبس الانفرادي وسوء المعاملة من أمراض أخرى من بينها ضغط الدم، وقد خضع في الحبس لعمليات تتعلق بالقلب،
– وأن المهدئات التي تعطى له لتخفيف الآلام، خطيرة جدا على مرضى القلب،
– وأنه في سجن انفرادي يمكن أن يتعرض فيه في أي لحظة لأزمة تقضي عليه دون أن يعلم به أحد! لا قدر الله.
ومع ذلك كله، تحاول “النيابة العامة” طمأنتنا في بيانها الفريد بأن “الإشارة إلى خطورة الحالة الصحية في الإيجاز، فهي غير صحيحة”!
4. ويدعي البيان أن تقرير الأطباء قال بإمكانية علاج الالتهاب الذي يعاني منه “المعني” محليا. وأن النيابة أصدرت أمرا بتكليف الطبيبين بمباشرة إجراء العلاج اللازم واختيار أي منشأة صحية عمومية أو خصوصية تصلح لذلك، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة بما في ذلك الاستعانة بخبرات أجنبية عند الحاجة. وأمرت بوضع كل الوسائل الضرورية لإنجاز المهمة تحت تصرفهما. إلا أن الطبيبين عندما اتصلا بالمعني للتحضير للعلاج، صرح برفضه التام للخضوع لأي علاج”.
ونتوقف هنا لنطرح السؤال التالي: متى ستفهم الجهة التي صدر عنها البيان الحقائق الجوهرية التالية:
– أنها ليست الجهة المختصة باتخاذ جميع ما ادعت اتخاذه من إجراءات! حتى ولو كانت “النيابة العامة”!
– أنها غير مصدقة في دعواها. وأن تغييبها للتقرير الطبي المزعوم، وللأطباء الذين أصبحت الناطقة الرسمية باسمهم، يثير الشك والريبة في صحة ما تدعي؛ خاصة أن جميع ما ذكرته في بيانها كان مخالفا للحقيقة! فأين الأطباء؟ وأين التقرير؟
– أنها غير مؤتمنة على حياة الرئيس. وسيرتها خلال السنوات الأربع والنيف من عمر ملفها الكيدي الباطل دليل قاطع على ذلك.
– أن الأجهزة الضرورية لإجراء تلك العملية المعقدة بنجاح، والأدوية الصالحة لا تتوفر في مغارة عالي بابا التي أصبحنا إياها.
ومن المستحيل في مثل هذه الظروف أن يقبل قائد محنك ذاق مرارة الغدر والمكر، مهما كانت درجة مرضه والآلام التي يسببها له المرض، الوقوع في مثل هذا الفخ! أو يُقْدِم الأطباء – مهما كانوا- على مقامرة خطيرة من هذا النوع!
5. وفي مجال نفي خضوع الرئيس محمد ولد عبد العزيز لحبس تحكمي مخالف لصريح المادة 470. كان البيان مضحكا مبكيا في آن! إذ لم تقدم “النيابة العامة” دليلا واحدا على زعمها عدم انطباق تلك المادة سوى قولها: “أن هذه المادة لا تنطبق على وضعية المعني”! ولنا أن نسألها: لماذا، وكيف لا تنطبق المادة 470 على وضعية المعني؟ ألأنها لا تنص على أن الاستئناف يوقف التنفيذ؟ أم لأن الحكم الباطل الصادر على المعني لم يسجل فيه استئناف؟ يبدو أن “النيابة العامة” تذهب في تعاملها مع المادة 470 المذهب نفسه الذي تعاملت به مع المادة 93 من الدستور! “عدم الانطباق”! أي انتهاك القانون، ونكران العدالة!
6. ويبرر البيان منع موكلنا ودفاعه من الحصول على نسخة من التقرير الطبي المتعلق بحالته المرضية بقوله: “أن الاستنتاجات الطبية ذات طابع شخصي ومحمية بموجب السر الطبي والمهني وفقا للقانون. ولذلك، فهي ليست عنصرا من الملف القضائي الذي يجب تمكين الدفاع منه، وتبقى شأنا شخصيا يمكن للمعني أن يطلع من شاء عليه”! وهنا نسأل الجهة التي أصدرت البيان عن أي قانون تتحدثون، وما هو رقم المادة التي اعتمدتم عليها في رأيكم هذا؟
أما نحن فإن مبلغ علمنا المتواضع أن التقرير الطبي المحدث عنه لا يكون إلا نتيجة خبرة فنية تأمر بها المحكمة المختصة، وليس النيابة، التي لا دخل لها فيها بصفتها طرفا. وأن هذا الموضوع تحكمه المادة 159 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية. وأن المادة 167 من القانون نفسه تقول في فقرتها الأخيرة بالحرف الواحد: “ويودع التقرير بكتابة ضبط المحكمة التي أمرت بإجراء الخبرة”! فمن أين للنيابة العامة أن تأمر بإجراء خبرة، وتستحوذ عليها، وتحجبها عن المحكمة المختصة وعن المعني ودفاعه؟ ومتى أصبحت لديها سلطة إلغاء القوانين والعمل بهواها؟ ثم أين مبدأ السرية المهنية التي تتحدث عنها، وهي تنشر على رؤوس الأشهاد ما يحلو لها نشره من تقرير زعمت أنه ليس من أوراق الملف؟ وكيف تسنى لها الحصول والاطلاع على التقرير الطبي ما دام ليس من أوراق الملف، وما دام اطلاعها منحصرا في أوراق الملف لا غير؟ أما قولها: “يمكن للمعني أن يطلع من شاء عليه (أي التقرير الطبي) الذي يفهم منه حصول المعني على نسخة من التقرير الطبي المتعلق بمرضه، فهو محض تضليل. ذلك أن المعني لا علم له بذلك التقرير ولم يطلع عليه إلى يومنا هذا!
7. ونفى البيان منع دفاع “المتهم” من زيارته. وقال إن ذلك “لا أساس له من الصحة. فالمتهم يمكن من لقاء محاميه ومن شاء من أقاربه، طبقا للمساطر والضوابط المعمول بها”.
ومن المؤسف حقا أن ذلك مجرد إنشاء ما أنزل الله به من سلطان! والأدلة على ذلك كثيرة حيث يشهد به الحراس، وإدارة السجون، ومعالي الوزير نفسه الذي رفعنا له شكاوانا وما زال يمنينا بحل المشكلة حتى اليوم. وتشهد به محكمة الاستئناف نفسها التي لم تصدر قط منذ ولوج الملف إلى دواليبها أي إذن بزيارته! فلماذا تلْبيس الحق بالباطل، والمكابرة في محسوس ومعلوم لدى الجميع؟
8. وأدهى من ذلك وأمر ادعاء البيان “أن المعني يمارس أنشطته الرياضية والترفيهية التلفزيونية المدفوعة الثمن على حساب الدولة، ويطالع كتبه بحرية تامة، ويلتقي بعض أفراد أسرته ثلاث مرات في اليوم”! وهذا غير صحيح؛ إذ لا أنشطة رياضية، ولا ترفيه، ولا حتى مجرد التعرض دقائق لأشعة الشمس، ولا زيارات أفراد الأسرة ولو مرة واحدة في الأسبوع! وكل ما في الأمر أنهم سمحوا منذ أشهر قليلة بدخول التلفزة إلى معتقل الرئيس! فالدولة التي تَفَرّقَ دمها بين المفسدين تمن في البيان على الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه يشاهد البث المدفوع الثمن على حسابها، وأنه يطالع كتبه بحرية تامة، وأن أحد أفراد أسرته يأتيه بطعامه يوميا وهو يرفض منذ اليوم الأول تناول طعام جلاديه!
9. وفي ختام بيانها نسيت الجهة المصدرة للبيان أنها تتحدث باسم النيابة العامة، فطفقت تتحدث على سجيتها باسم السلطات العمومية فقالت: “وفي جميع الأحوال، تبقى السلطات العمومية واعية بمسؤوليتها تجاه ضمان ولوج جميع الأفراد المحرومين من الحرية إلى حقوقهم، وتدرك أهمية توفير الرعاية الصحية التي يحتاجونها مجانا وفقا للقوانين والنظم السارية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية”.
فأين خرافة “مبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستوريا الذي يتحدث عنه البيان؟ ما دامت “النيابة العامة” تنطق باسم السلطات العمومية، والسلطات العمومية تنطق باسم النيابة؟
10. لقد كان أولى بالنيابة العامة عندما تصدت، بتكليف من الوزير، يوم 24 /7/ 2024 حسب ما يفهم من بيانها، بإنجاز خبرة طبية يركن إليها، أن تتقدم إلى المحكمة التي تنظر الملف بطلب إجراء خبرة عملا بالفقرة الأولى من المادة 159 بدلا من الخوض فيما لا يعنيها، ومن انتحال مختلف الصفات، وقفو ما ليس لها به علم.
وكان عليها – وهي حامية حمى المجتمع والقانون- أن تمارس صلاحياتها في الأمور التالية، بدلا من التعدي على صلاحيات الآخرين:
– المطالبة بإنهاء الحبس التحكمي وانتهاك المادة 470 بدل القول الداحض بعدم انطباقها.
– زيارة وتفقد أحوال سجين، ولا كأي سجين، في إيالة المحكمة التي تنتمي إليها. ويلزمها القانون بزيارته وتفقد أحواله.
– التقدم إلى المحكمة بطلب إفراج عنه عملا بالمادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية؛ الشيء الذي يمليه مرضه، وما لديه من ضمانات تكفل له الحرية، وانتفاء أي سبب من أسباب حبسه قانونا.
– التخلي عن رفض جميع طلبات الإفراج التي يتقدم بها بناء على أسباب سياسية تملى على المحكمة وتلزم بالعمل بها فوق جميع الاعتبارات الأخرى.
– وأخيرا، فقد فكان عليها إذا لم تقم بشيء من ذلك، أن تقوم – على الأقل- بجدولة الملف في إحدى نحو 20 جلسة عقدتها المحكمة خلال السنة القضائية المنصرمة التي قضاها الملف نائما في أدراجها؛ بمعدل جلستين كل شهر! علما بأن قانون الإجراءات الجنائية (المادة 139) ينص على مسؤولية القاضي عن كل إهمال يمكن أن يطيل مدة الحبس تحت طائلة المخاصمة!
وخلاصة القول: إن “النيابة العامة” لا تملك صلاحية إصدار بيان صحفي حول قضية منشورة أمام القضاء، وإذا فعلت فيعتبر فعلها فضولا، وتعديا على صلاحيات سلطة الحكم. وأن جميع ما ورد في بيان الجمعة المنسوب إليها لا أساس له من الصحة. وأن صحة الرئيس السابق تتدهور يوما بعد يوم، ولا يمكن علاجه هنا لأسباب تتعلق بنقص الأجهزة الضرورية، والأدوية الصالحة، وبأمنه أيضا؛ ولم تقم السلطات القضائية والتنفيذية إلى حد الساعة برفعه ليتداوى في المكان المناسب، ولم تطلق سراحه فيذهب للتداوي في مكان آخر على حساب تأمينه الصحي. وما يزال دفاعه ممنوعا من الاتصال به بحرية؛ خرقا لجميع القوانين والمعاهدات والمبادئ المكرسة لحقوق الدفاع المقدسة. وهو ممنوع من زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء، ومن الهاتف والكومبيوتر والانترنت والرياضة والشمس. ولا خبر حتى الآن عن التقرير الطبي والأطباء!
فمتى سنكف عن إهدار الحقيقة، ونصبح دولة حق وقانون فعلا لا قولا؛ لا دولة تعليمات وأقاويل؟