منذ وصول رئيس الجمهورية محمد عبد العزيز للحكم رفع شعار محاربة الفساد، ومنع استخدام موارد الدولة في الاستغلال السياسي، تم تجريد كبار الموظفين من سيارات الدولة، ومن منازلها، وتم وقف صرف مخصصات ضخمة للبنزين، ضمن سياسة ترشيد للنفقات، وإعادة توزيع للثروة العمومية بشكل يضمن استفادة أكبر قدر من الموريتانيين منها، وقد وجت هذه السيادة صدى لها لدى الشعب، وجلبت لولد عبد العزيز دعما شعبيا كبيرا، فضلا عن توفير عشرات المليارات من الأوقية كانت تذهب إلى جيوب أشخاص محددين.
لكن المفارقة في هذا المجال هي أن ولد عبد العزيز نفسه، يحرص دائما على الزج بالوزراء في أتون المعركة السياسية، فلقد فعلها خلال حملة الاستفتاء الشعبي الأخير، عندما أوكل رئاسة الحملة في جميع الولايات لوزراء في الحكومة، واليوم يكررها بتكليف أعضاء في الحكومة برئاسة حملة التحسيس الممهدة للانتساب لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ويرى مراقبون للشأن السياسي أن مظاهر الخطأ في هذا الإجراء تتجسد في ثلاث نقاط:
أولا: لكون الزج بالوزاراء في الحملة السياسية لحزب معين، فيه كثير من “شبهة” استغلال مناصبهم، وإمكانات قطاعاتهم لممارسة ضغط مادي، ومعنوي على المواطنين، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يتم اختيار الوزراء دون غيرهم للقيام بهذه الأدوار السياسية، خاصة وأن معظم وزراء الحكومة الحالية “غـُرباء” سياسيا، لا سند لهم من الشعب، وليست لهم قواعد شعبية، والشيء الوحيد الذي لديهم هو إمكانات وزاراتهم ؟؟.
ثانيا: لأن الوزراء في النهاية موظفون عموميون، يديرون مصالح المواطنين، ويسيرون الشأن العام اليومي، وإغلاقهم لمكاتبهم، وترك مصالح المواطنين تضيع، ليتفرغوا لممارسة السياسة فيه الكثير من الإجحاف بالمواطنين، والنظام بذلك يخلط بين ما لقيصر، وما لله – كما يـُقال-، فالوزراء – بعد تعيينهم- يصبحون في خدمة جميع المواطنين، معارضين، وموالين، ثم إن الوزراء يتقاضون رواتبهم من مال الشعب مقابل عملهم في مكاتبهم، والقيام بالمهام الرسمية، وليس مقابل الانشغال بحملات تحسيسية لحزب معين.
ثالثا: يـُـعرف الموريتانيون بولعهم بالسياسة، وانشغالهم بممارستها، لذلك فإن الآلاف من الأطر، والشخصيات، والوجهاء، ورجال الأعمال، والزعامات القبلية، والروحية كانت ستكون أكثر إفادة في جمع الأصوات، وحشد الدعم الشعبي لحملة الانتساب للحزب الحاكم، أو للتصويت للنظام، من وزراء ينقسمون إلى قسمين، قسم شباب مغمورون، لا يمتلكون أي خبرة سياسية، ولا تجربة في الإدارة، فبعضهم جاء من الجامعة، أو من الشارع إلى الوزارة في رحلة مباشرة، لذلك فإرساله في حملات تحسيس هو سوء اختيار، وسوء تقدير، والقسم الثاني من الوزراء ليسوا شبابا، لكنهم مجهولون بالنسبة لغالبية المواطنين، لا يعرفونهم إلا من خلال شاشات التلفزة، ولم يقدموا يوما أي جميل للشعب حتى يرده إليهم في شكل دعم سياسي، وهذه الأسباب وحدها تجعل إرسال وزراء الحكومة الحالية في مهام سياسية تكرارا لتجربة الفشل، واستنساخا لسياسات نظام ولد الطايع، مع فارق بسيط، هو أن ولد الطايع كان يطلق أيادي الوزراء ليتزودوا بما شاؤوا من المال العام قبل ذهابهم إلى الداخل لممارسة السياسة، بينما ولد عبد العزيز يرسل الوزراء، وبعضهم يعجز حتى عن تزويد سيارته الشخصية بالبنزين ذهابا وإيابا، وهو ما يجعل هؤلاء الوزراء محل سخرية وتندر المواطنين.
سياسة المنطق، ومنطق السياسة يقولان: إذا أردت أن تـُطاع فأمر بما يـُستطاع.. لقد تحول الوزراء إلى مثار للشفقة، عندما تم تكليفهم بمهمة حشد الدعم الشعبي للنظام في سنة قحط وجفاف، وعندما أرسلوا في عز فصل الصيف للولايات الشرقية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة دون أن يجلبوا معهم خنشة علف، أو ما يفيد في ذلك، هذا فضلا عن أن لائحة توزيع الوزراء على الولايات كشفت عن شوائية، وتخبط، كان الله في عون الوزراء، وفي عون نظام يسعى لإحكام سيطرته على مشهد سياسي متقلب، وينظر غالبية المواطنين إلى المواسم السياسية باعتبارها مواسم لجني الأرباح، وليس مواسم لفرض الغرامات، ودفع تكاليف وفواتير!!!.
الوسط