الحل ليس في مجلس الأمن!

في عام 2014 قامت مصر بمعركة دبلوماسية شاقة، ونجحت في استصدار قرار أوربي روسي صيني بوقف تمويل السد الإثيوبي، الذي يؤثر -حال اكتماله- على أكثر من ٣٠% من حصة مصر في مياه النيل، وصدر قرار رسمي من الاتحاد الأوربي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي بوقف تمويل بناء السد الإثيوبي، وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.7 مليار دولار، بينها قرض صيني بمليار دولار.

حدث هذا حتى تم التوقيع على اتفاق المبادئ في 23 مارس 2015؛ مما أضعف الموقف المصري القوي، وهذه الاتفاقية أعطت الحق للبنك الدولي وبعض الدول لتمويل بناء السد، وحتى الآن لم تعرض هذه الاتفاقية على مجلس النواب.

ولكن الإعلام عزف على نغمة أن إثيوبيا لم تكن لتبني السد لولا ثورة يناير، ثم سخر من طريقة تعامل الرئيس الراحل محمد مرسي مع الموقف، والحقيقة ليست ثورة يناير هي السبب في قيام إثيوبيا ببناء السد، لأن إثيوبيا قامت في ٢٠١٠ بقيادة تحالف من ٧ دول إفريقية لعمل وثيقة مبادئ تنظم استهلاك مياه النيل؛ تمهيدا لبناء سد النهضة في عنتيبي، وهو التحالف الذي حاول إهدار الاتفاقيات السابقة، وخاصة اتفاق ١٩٥٩؛ تمهيدا لبناء سد النهضة، الذي كان اسمه سد الألفية وقتها، أي أن نية بناء السد والتمهيد له بدأت منذ ٢٠١٠ وليس ٢٠١١ كما يدعي الإعلام حاليا .

اتفاقية إعلان المبادئ

فالأزمة بدأت بعد توقيع اتفاق المبادئ في الخرطوم عام ٢٠١٥، التي لم تذكر حقوق مصر من مياه النيل، ولم تشدد على نصيبها الذي هو ٥٥.٥ مليار متر مكعب في أي بند من تلك البنود، كما أنها تنازلت عن حق مصر والسودان في حق النقض لأي مشروع يقام على النيل دون مشاورتهما.

وجاءت الديباجة مطاطة تتحدث عن الحقوق دون تحديدها، وهو ما تستخدمه إثيوبيا الآن في التهرب من الإقرار بحق مصر الثابت في ٥٥.٥ مليار متر مكعب.

وبعد جلسة مجلس الأمن الخميس الماضي، وردود الفعل، وكلمات مندوبي الدول التي جاءت معظمها مطاطة لا تسمن ولا تغني، حيث جاء الموقف الروسي منحازا لإثيوبيا في مجلس الأمن، وللأسف كل التجارب التاريخية أثبتت خيانة روسيا لحلفائها، كذلك جاءت كلمة وزيرة خارجية السودان السيدة مريم الصادق المهدي مائعة، والكارثة أنها تتحدث عن الأنهار العابرة للحدود، وليست الأنهار الدولية، أي أنه إقرار سوداني بأن النيل الأزرق نهر إثيوبي عابر لحدود السودان ومصر، فالسودان لن يتضرر من سد النهضة، فكمية الأمطار التي تنزل فيه تصل إلى 118 مليار سنويا، معظمها مهدرة، وبها خزان جوفي بالمليارات، بل إنها في الحقيقة أهم المستفيدين من السد الأثيوبي من خلال اتفاقية ربط الكهرباء بينها وبين إثيوبيا بسعر التكلفة، وقد أبرم الاتفاق منذ 10 سنوات.

لذا، لا بد من إلغاء اتفاقية المبادئ كخطوة أولى، والعمل بكل ما نملك على وقف بناء السد؛ حتى يتم وضع بنود واضحة وخطة عادلة للملء، وتكون مصر والسودان لهما نصيب في ادارته، وإلا فإن القادم أسوأ.

10 سنوات من التفاوض

قضت مصر أكثر من 10 سنوات من التفاوض مع الجانب الإثيوبي لم نلمس أي مرونة من جانبهم، وذهبت لمجلس الأمن بموقف ضعيف بعد أن سمحت لإثيوبيا ببناء السد، والملء في مرحلته الأولى، وبدء الملء الثاني منذ أيام، ذهبا نستجدي مجلس الأمن والدول الغربية لعلها تقف مع مصر بعد أن أصبح السد موجودا على أرض الواقع، وأصبح ضربه يصطدم بمصالح الدول الممولة لبنائه بعد أن أخذت الضوء الأخضر بمنح القروض عقب اتفاقية المبادئ.

وشخصيا لم أستبشر بالذهاب إلى مجلس الأمن خيرا؛ لأن تجاربنا معه سيئة، فهناك عشرات القرارات صدرت لصالح العرب في القضية الفلسطينية لم يتم تنفيذ أي قرار منها حتى الآن، والحل الوحيد -من وجهة نظري- هو عرض اتفاقية المبادئ على مجلس النواب، ورفضها.

الحل في اتفاقية 1902

والحل الأفضل -كما أراه- هو أن تتشبّث مصر والسودان باتفاقية 15 مايو 1902، حيث تم توقيع الاتفاقية بشأن الحدود من جانب حكومة بريطانيا، نيابة عن مصر والسودان مع إثيوبيا، ووفقا للاتفاقية تعهد ملك الحبشة، منليك الثاني، بعدم تشييد أو السماح بتشييد أي عمل على النيل الأزرق، وبحيرة تانا، ‏أو نهر السوباط، من شأنه منع جريان المياه إلى النيل، إلا بالاتفاق مع حكومة جلالة الملكة البريطانية، وحكومة مصر ‏بالسودان.‏

وفي البند الثاني من هذه الاتفاقية ورد اتفاق الحدود المحدد للحق المصري والسوداني في مياه النيل، الذي أكد أن العدول عنه يقتضي ‏من أطرافه العدول عن الأرض السودانية، وهي منطقة الفشقة، التي تتسيّدها إثيوبيا، وتعهد “منليك” بعدم التدخل في فيضان وتدفق النيل من بلاده إلى السودان ومصر إلا بعد موافقتها.‏

مسرحية مجلس الأمن

” إذا انخفض منسوب النهر، فليهرع كل جنود الفرعون ولا يعودون إلا بعد تحرير النيل مما يقيد جريانه”.

هذه الكلمات منقوشة على لوحة فرعونية بمقياس النيل بالمنيل جنوب غربي القاهرة، وتوضح أنه منذ بداية التاريخ، وفي عصور الفراعنة؛ كان لنهر النيل قدسيتُه وجلاله، بحيث إن مجرد انخفاض منسوب النهر كان لا بد وأن يتحرك جيش الفرعون جميعه؛ لكي يعود جريان النهر كما كان، لذلك لا بد أن ترى أثيوبيا الغضب المصري صريحا، وأن هناك حقوقا تاريخية منذ القدم في مياه النيل، حيث لم يقصر الملوك الفراعنة في الدفاع عن جريان مياه النيل للمصريين، وحتى أسرة محمد علي أرسلت الحملات العديدة؛ للحفاظ على تدفق النيل، واكتشاف منابعه.

ولا بد أن نتأكد أن العالم الذي يقف صامتا الآن وهو يشاهد ما تفعله إثيوبيا؛ لن يوفر لمصر مترا مكعبا من المياه إذا تعرّضت للشحِّ المائي والعطش؛ لأن العالم لا يحترم إلا القوي، فكفى مضيعة للوقت.

 

المصدر : الجزيرة مباشر
محمد عبد الشكور

التعليقات مغلقة.

M .. * جميع الحقوق محفوظة لـ موقع أخبار الوطن 0

%d مدونون معجبون بهذه: